«المبدئيّ الصامد» .. عنوان الذكرى الحادية عشرة لاعتقال الشيخ علي سلمان
علي الديري - 2025-12-28 - 4:25 م
مرآة البحرين : ليس «المبدئيّ الصامد» توصيفًا عاطفيًا، بل خلاصة تجربة سياسية طويلة اختبرت الزمن وخرجت منه بمعيارٍ واحد: البقاء على المبدأ مهما طال الطريق.
الصمود هنا ليس صمتًا ولا انكفاءً، بل قدرة على الاستمرار دون تشوّه، وعلى احتمال الكلفة دون التفريط بالمعنى. لذلك يصلح هذا العنوان لأن يكون راية الذكرى الحادية عشرة؛ فهو يقرأ السنوات بوصفها امتحانًا للإرادة لا مجرّد عدٍّ للأيام.
الصمود هنا ليس حالة انغلاق، ولا بطولةً عاطفية تُستهلك في الخيال العام. إنّه قدرة يومية على الاحتمال، ومراكمة هادئة للثبات. صمودٌ لا يُعرَّف بالاندفاع، بل بالاستمرار؛ لا يُقاس بحدة الخطاب، بل بسلامة الاتجاه. هو أن تبقى الأفكار في مكانها الصحيح حين يُدفَع بها إلى التنازل، وأن تظل اللغة وفية لمعناها حين تُغرى بالتحريض أو الانكسار.
الصمود، كما يتجسّد في هذه السيرة، هو اختيار الزمن الطويل على الحلول السريعة. هو أن تقبل بطول المسار إن كان ثمنه إغلاق باب الأزمة إلى الأبد. لذلك كان يقول الشيخ علي سلمان في إحدى حواراته عن أزمة 2011: «دعها تطول لكن لتكن الأخيرة». ليست العبارة رغبة في إطالة الألم، بل حكمة سياسية ترى أن علاج الجذور، مهما تأخر، أصدق من مسكّناتٍ تعيد الداء في كل مرة. الصمود هنا إدارة للوقت بوصفه حليفًا للمعنى، لا خصمًا للإنجاز.
يتبدّى الصمود أيضًا بوصفه اتساقًا لغويًا وأخلاقيًا. حين تُستنزف الكلمات في السوق العام، يحافظ المبدئيّ على اقتصاد العبارة كي لا تُستنزف الفكرة. وحين تُغرى السياسة بالانفعال، يختار الاستمرار الهادئ. في هذا السياق، لم يكن الثبات خطابًا من خارج المكان، بل قولًا من قلبه. ففي جلسة محاكمته في 14 أكتوبر 2015، وبصوت هادئ ونبرة مبدئية صامدة، قال: «سأستمر في العمل السياسي السلمي الذي بدأته منذ 20 عاماً حتى تحقيق المملكة الدستورية، لقناعتي التامة أنه الطريق الوحيد لكسر جليد الأزمات والنهوض الاقتصادي للبحرين». هكذا يتكثّف معنى الصمود: التزامٌ بالسلمية، وثقةٌ بالطريق، وربطٌ بين العدالة السياسية والنهوض الاقتصادي.
الفرق بين الصمود والعناد جوهري. العناد انغلاقٌ على الذات، أمّا الصمود فانفتاحٌ على الأفق مع ثبات القدمين. هو الاستعداد للحوار دون تنازل، وحماية الممكن دون نسيان المبدأ. لذلك، لا يبدو «المبدئيّ الصامد» عنوانًا لشخصٍ فحسب، بل قيمة عامة قابلة للانتقال والتعلّم. قيمة تُعلّم أن الشرعية لا تُقاس بعلوّ الصوت، بل بسلامة البوصلة، وأن الخسارة المؤقتة قد تكون استثمارًا أخلاقيًا طويل الأمد.
الاحتفاء بالذكرى الحادية عشرة تحت هذا العنوان هو احتفاء بالزمن حين يُدار بالقيم. وقفةٌ تستعيد درس الصمود بوصفه فعلًا يوميًا: احتمال، واستمرار، واتساق. وهو، قبل ذلك كلّه، تذكير بأن السياسة حين تُمسك بخيط المبدأ، يمكنها أن تَعبر الأعوام الثقيلة دون أن تفقد اسمها، وأن تبقى واقفة في المكان الصحيح حتى يعترف الزمن بجدواها.