الشيخ علي سلمان .. رجل دولة أم رجل أخلاقي؟

عباس المرشد - 2025-12-28 - 10:48 ص

مرآة البحرين : يُطرح السؤال حول شخصية الشيخ علي سلمان بوصفه رجل دولة أم رجل أخلاقي، إلا أن النظر العميق في سيرته يكشف أن الفصل بين هذين البعدين ليس ممكناً، لأن كليهما يتداخل في الآخر ويشكّلان معاً بنية شخصيته السياسية.

نعم هو رجل دولة يمتلك من المهارات السياسية ما لم يمتلكه الآخرون بمن فيهم نخبة الحكم الحالية في البحرين. لديه قدرة فائقة على اجتراح المبادرات في أوقات الأزمات الخانقة التي لا ضوء لأي مخرج منها. شيخ علي كرجل دولة يعرف كيف يقنع الآخرين بمشروعه السياسي أو على الأقل يجعلهم في حيرة وصعوبة اتخاذ قرار عدائي. لذا هو يجيد التفاوض ويجيد صناعة السلطة، وإذا ما توفرت له الإمكانيات فهو قادر حتماً على إتقان السياسة بوصفها توزيعاً للسلطة والثروة توزيعاً منصفاً.

هذه السمات لا تُقرأ بوصفها مهارات سياسية فحسب، بل كجزء من تكوين عميق يجعل القدرة على المبادرة والتفاوض وإدارة اللحظات الحرجة امتداداً طبيعياً لمنظومة قيم داخلية. فرغم ذلك كله، فالشيء الأهم في شخصية الشيخ علي سلمان أنه رجل أخلاقي بامتياز يقدم الدين على السياسة، وينتهي عند الأخلاق كإطار مرجعي ثابت يواجه به خبث السياسة وتغيراتها. هنا يتضح أن السياسة عنده ليست مناورة ولا بحثاً عن مكسب، بل فعل نابع من يقين أخلاقي، يرى أن السياسة لا تستمد مشروعيتها من قوتها، بل من التزامها بالمبدأ.

السياسة هنا في الرجل الأخلاقي ليست قدرة على تفاوض أو حصول على جزء من السلطة، بل هي سياسة مستمدة من الأصول الأخلاقية التي وُضعت أسسها في عهد الإمام علي لمالك الأشتر؛ أي هي تدبير أمور الرعية والمواطنين بما يتناسب والقيمة الأخلاقية التي يجب أن يكون عليها المجتمع الفاضل. السياسة لديه إذن هي وسيلة من وسائل الالتزام بالواجب الأخلاقي، بمعنى تجنب الشر والسعي نحو الخير. بهذا تصبح السياسة امتداداً لواجب ديني-أخلاقي لا ينفصل عن رؤية روحية ترى المجتمع كأمانة ومسؤولية.

شواهد كثيرة في سيرته تؤكد سلوكه كرجل دولة ينبهر بها الآخرون، لكن الحقيقة أن تلك السلوكيات هي انعكاس للواجب الأخلاقي الذي صقل جوانب شخصيته وحولها إلى شخصية جاذبة قادرة على صناعة التغيير في أوقات التكلس الاجتماعي. إنَّ جاذبيته السياسية ليست نتيجة خطابية أو تكتيكية، بل نتيجة اتساق داخلي بين فعله وقيمه، الأمر الذي يجعل الآخرين يرون فيه قدراً عالياً من الموثوقية والوضوح.

الإصرار على تقديم واكتشاف الأخلاقي في سيرة الرجل القائد يعني منع الانجراف ناحية علمنة الحراك الذي يقوده منذ تسعينات القرن الماضي، ويعني إعادة قراءة أصول الحركة السياسية التي التزم أن يكون سيفاً في يد المرجعية كالتزام ديني وأخلاقي. هذا الالتزام لا يمكن فهمه إلا ضمن تصور يرى السياسة امتداداً لرسالة دينية اجتماعية، لا مجرد نشاط معارض أو ممارسة تنظيمية.

هذا الاختزال الأخير قد يحتاج إلى شرح أوسع وإلى اختبار عدد هائل من المقولات التي نعرفها عنه منذ التسعينات أو ما قبلها. رغم ذلك فيمكن هنا وضع حصيلة تلك الشروح المقترحة وفهمها ضمن المدى التاريخي الطويل. فحياة الشيخ علي السياسية تبدأ من اللحظات الأولى التي شكلت علاقته الروحية مع الدين والدفاع عن المظلومين، وفي اللحظات الأولى التي كونت علاقته مع المرجعية الفقهية للبحرين، أعني الشيخ الوالد، وهي علاقة لا تزال تثير السؤال رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على بداياتها، ولا يزال المقرّبون يسألون السؤال ذاته: ما الذي وجده الشيخ الوالد في طالب العلم الشاب علي سلمان كي يؤهله ويسلمه دفة القيادة؟

هنا تبرز الصفة الأخلاقية كمبنى أصولي يجمع بين كلا الرجلين. فالمعيار الذي بُني عليه الاختيار لم يكن سياسياً ولا تنظيمياً، بل أخلاقياً وروحياً، وهو ما يفسر الثقة المبكرة التي مُنحت للشيخ علي سلمان في وقت كانت فيه الساحة مليئة بالشخصيات الأكثر خبرة وسناً. ومن هذا الفهم يمكن تقديم قراءة مختلفة لكثير من التفسيرات السائدة وقتها أو التي لا تزال تتحرك داخل نخب المعارضة.

أخلاقيات الشيخ علي سلمان تركزت أولاً على حب القضية والذوبان فيها والتضحية من أجلها، وهذا الحب الأخلاقي أوجد لديه صبراً مختلفاً عن صبر الآخرين. الآخرون يصبرون من منطق التحمل والأمل في الحصول على المكافأة، ولكن صبر الشيخ علي سلمان هو صبر المحب والعاشق لقضيته، وهذا يتمثل تماماً في صبر الشيخ الوالد أيضاً. أحب الناس حباً مختلفاً فصبر على مخرجات هذا الحب. ولأن الحب هنا ملتزم أخلاقياً بمحطة العروج إلى الله وحضوره كفاعل وحيد في الحياة، فالسياسة التي أظهرها الشيخ علي سلمان ما هي إلا محبة الناس والصبر على قضاء حوائجهم ورفع الظلامات التي يعيشون تحت وطأتها.

بهذا يكتمل المشهد: رجل الدولة فيه ليس منفصلاً عن الرجل الأخلاقي، بل هو انعكاس مباشر له. ومهارات القيادة التي يمتلكها ليست سوى وجه عملي لعمق أخلاقي وروحي تشكل عبر سنوات طويلة من الالتزام الصادق. إن فهم شخصيته يتطلب النظر إلى وحدتها الداخلية، لا إلى ثنائيات مصطنعة بين السياسة والأخلاق.