الشيخ علي.. مشروع عصيّ على الكسر
لطيفة الحسيني - 2025-12-28 - 8:33 ص
مرآة البحرين : قد يتوقف البعض عند سنوات سجن الشيخ علي سلمان التي أصبحت 11، وقد لا ينظر آخرون إلى الرقم بقدر ما يركّزون على شخصه، لكن تاريخ الثامن والعشرين من كانون الأول/ديسمبر يبقى غصّةً في قلوب كثير من البحرينيين، ممّن آمنوا بمشروعه السياسي والوطني.
طيلة نشاطه منذ التسعينات إلى اليوم، اختار الشيخ علي سلمان أن يجعل السلمية عنوانًا ثابتًا لبرنامج عمله، ومبدأً مؤسِّسًا لمساره السياسي. على الرغم من كلّ الانتهاكات لحقّه الطبيعي في الاعتقاد وحرية التعبير، وعلى الرغم من مخطط الحكم واستهدافه شخصيًا ومعنويًا، واصل الشيخ طروحاته بصوتٍ مرتفع، علّ بيت الحكم يسمع. قال صراحة إنه يقترح خارطة طريق توصل البحرينيين إلى التداول السلمي للسلطة ضمن ملكية دستورية، وما هذه الجريمة!
يُجمع أهل السياسة في البحرين على أن ملفّ الشيخ علي سلمان يُعدّ أحد أهمّ ركائز أيّ مصالحة مُقبلة أو تسوية مُنتظرة في المملكة، وما إن تُقرّر الدولة فعلًا الذهاب باتجاه تصفير الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، حتى تستعيد الساحة الداخلية عافيتها وتُقفل مسألة السجن السياسي.
هل الحُكم في صدد هذا؟ طبعًا لا. جميع المؤشرات توصل إلى نتيجة واحدة: السلطة تلتزم التشدّد لا التساهل ولا حتى التقارب مع الفئة المُتضرّرة من هذا الاحتقان السياسي.
ثمّة من يقول إن النظام يتمتّع بمِنعةٍ عالية تجاه التغيير ونهج الحلّ، وهو لا يجهد من أجل تصفير كلّ الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والحقوقية، بل يزيد الوضع سوءًا. في الآونة الأخيرة، يعيش المواطنون مع هاجس المعيشة والضرائب والمُلاحقات الأمنية والأفلام البوليسية التي لا تنفكّ الدولة عن تشغيلها. أزمات مُتراكمة آخرها ملفّ الكهرباء والماء، وتخفيض التصنيف الائتماني للبحرين، واستمرار فضيحة التعذيب في السجون بموازاة عمل منظمات أمريكية على ملاحقة وزير الداخلية راشد بن عبد الله. هي عناوين تُصعّب الحلّ وتُبعده أكثر ممّا تقرّبه، وتدفع الناس إلى الشعور بفقدان الثقة تمامًا بالدولة وسياساتها.
هناك وجهة نظر تقول أيضًا إن السلطة غير جادّة في اتخاذ قرار يُحتّم حصول تسوية محلية، ومُقاربتها المتأخرة لحلّ الأزمة مع قطر تشهد، وكذلك عدم تفاعلها كما يجب مع مبادرة العُمانيين دليلٌ على ارتباكها واضطرابها وتردّدها للسير في مصالحة داخلية وخارجية، هذا إلى جانب معالجتها البطيئة للعلاقة مع إيران.
في كلّ هذا المشهد المُعقّد، تحضر كلمات وأفكار الشيخ علي سلمان الذي لطالما بُحّ صوته وهو ينادي بالمساواة وإلغاء امتيازات الأسرة الحاكمة وتطبيق الديمقراطية الحقيقة وليس الصُوَرية، والشراكة الفعلية والمؤثّرة تحقيقًا للعدالة التي يحتاج الشعب لأن يشعر بها ويتلمّسها.
ولأنّ الشيخ علي سلمان لم يتخلَّ عن مبادئه ومسؤوليته الوطنية حتى في زنزانته، تراه اليوم مُلتزمًا صوت الناس ومطالبهم وهمومهم، وإليهم يوجّه رسائل الدعم والتضامن ويقف عند أحوالهم، ولو من وراء جدار.
تعرف الدولة أن الشيخ داعية سلم لا تخريب وانقلاب، لكنها لم تصل بعد إلى جرأة تُمكّنها من مراجعة قرار سجنه والعدول عنه، أي تصحيحه عبر الإفراج الفوري عنه، في خطوة تفتح مسار رأب الصدع والوفاق في البلد.