مجيد ميلاد لـ "مرآة البحرين": المشهد السياسي في البحرين محاصر .. والإصلاح ضمانة للاستقرار لا تهديد له

محمد ناس - 2025-12-04 - 12:53 م

حاورَه: محمد ناس

خاص بـ«مرآة البحرين» : في حوارٍ خاص مع صحيفة مرآة البحرين، تحدث عضو الأمانة العامة في جمعية الوفاق، مجيد ميلاد، أحد المشاركين في الحوارين الوطنيين عامي 2011 و2013، عن واقع المشهد السياسي في البحرين بعد أكثر من عقد على الأزمة السياسية التي اجتاحت البلاد، متناولًا أوضاع الحريات، والعلاقات الإقليمية، وملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودور المعارضة البحرينية اليوم.

يصف ميلاد المرحلة الحالية بأنها «الأكثر انغلاقًا سياسيًا منذ عقد»، معتبرًا أن الحل الحقيقي يبدأ بـ «إرادة سياسية جادة وحوار وطني صادق يقود إلى صفٍّ وطني جامع ينال فيه المواطن حقوقه الدستورية».

المشهد السياسي من الانفتاح المحدود إلى التضييق الشامل
يؤكد مجيد ميلاد أن الوضع السياسي في البحرين اليوم يعيش حالة «شبه حصار»، حيث «يعيش المواطن في قلق قبل أن يبدي رأيه»، مشيرًا إلى أن السلطة تسيطر على جميع مفاصل الدولة، حتى أن «السلطة التشريعية حائرة لضيق صلاحياتها وقضم رقابتها».

ويضيف: «الوضع اليوم أصبح أسوأ مما كان عليه قبل عشر سنوات، إذ كانت هناك على الأقل بعض المساحات المفتوحة للحوار والمشاركة، أما اليوم فهذه المساحات تقارب الصفر». ويرى أن استمرار احتجاز قادة الحراك السياسي بعد أكثر من عقد على اندلاع الأزمة «رسالة سلبية عميقة» تعبّر عن «إصرار السلطة على إغلاق باب الحل السياسي الحقيقي».

وتابع: «بدل أن يُنظر إلى هؤلاء الذين يمثلون السواد الأعظم من المجتمع كجزء من مسار الحل والمصالحة، يجري التعامل معهم كملف أمني»، داعيًا الدولة إلى «حوار وطني صادق يقود إلى انفراجة سياسية ينال فيها المواطنون حقوقهم الدستورية».

الملف الحقوقي تحسينات شكلية لا تمس جوهر القضية
بعد أكثر من عقد على الأزمة، يرى ميلاد أن المشهد الحقوقي لم يشهد انفراجًا حقيقيًا، أكثر من كونه «تحسينات شكلية أو خطوات محدودة لا تمس جوهر المشكلة». ويضيف أن «السلطة ما زالت تتعامل مع الملف الحقوقي أحيانًا كورقة سياسية تُدار بحسب الظروف المحيطة وتطورات الأحداث، لا كالتزام وطني وأخلاقي».

ويعتبر أن أي انفراج حقيقي يتطلب «تحولًا جذريًا في نهج الدولة تجاه المعارضة والمجتمع المدني، وإيمانًا فعليًا بأن الإصلاح ليس تهديدًا بل ضمانة للاستقرار».

الحوار الوطني.. إخفاق بنيوي وفرصة تاريخية ضائعة

وحول الحوارين الوطنيين عامي 2011 و2013، يقول ميلاد: «الهدف لم يكن إنتاج توافق وطني بقدر ما كان امتصاصًا للغضب الشعبي وإعادة ترتيب المشهد تحت سيطرة السلطة». ويضيف: «لو توفرت نية حقيقية للإصلاح، لكان بالإمكان تحويل تلك الحوارات إلى نقطة تحوّل تاريخية بدل أن تتحول إلى محطة جديدة لفقدان الثقة».

ويواصل موضحًا: «الحديث عن تفاصيل الحوار الوطني منذ بدايته حتى فشله يحتاج إلى مساحة واسعة، لكن يمكنني الإشارة إلى مشهد يختصر طريقة إدارة السلطة للحوار. بدأت الجلسة الأولى بمناقشة مفهوم التوافق، باعتبار أن الحوار يحمل اسم "حوار التوافق الوطني" ولأن الحوار الأول تم توجيهه بشكل كبير إلى ما تريده السلطة، قدّم فريق المعارضة ورقة بتاريخ 13 فبراير 2013 لتطوير بيئة الحوار بما يفضي إلى قيام حوار جاد يحقق تطلعات شعب البحرين».

ويتابع: «خلال الجلسة التالية، فوجئ فريق المعارضة ببيان جاهز وُزّع على الطاولات بطلب أحد أعضاء الفريق الحكومي وعضو أخر بإصدار بيان لإدانة ما سمي بـ"التدخل الإيراني السافر"». «عندها اعترض فريق المعارضة المفاوض مؤكدًا أن طاولة الحوار هدفها الوصول إلى توافق وطني، لا أن تكون منصة للبيانات السياسية».

«وفي نهاية المطاف وبعد أخذٍ وردٍّ، طالب أحد الأعضاء بالعودة إلى جدول الأعمال وإرجاء موضوع البيانات. هذه الواقعة، وإن حدثت في ليلة واحدة، تختصر كيف كان بعض الأعضاء يجاهدون لحرف مسار الحوار عن جادّته».

ويؤكد ميلاد: «قدّمت المعارضة أكثر من ورقة، وبذلت كل جهدها لجعل الحوار منتجًا كما كان يتطلع إليه شعب البحرين، لكن للأسف، فرصة تاريخية ضُيعت».

ويصف ميلاد إخفاق الحوار الوطني بأنه «إخفاق بنيوي بالدرجة الأولى»، موضحًا: «أقصد بـ البنيوي أن أصل بناء الحوار لم يكن موفقًا منذ البداية، إذ ضمّ الفريق الحكومي في داخله من كان يجتهد ليقول: اشهدوا لي عند الأمير، بأنني أبدع عضو في عرقلة أي نتيجة محتملة، ويكفي هذا لتوضيح كيف صُمّم الحوار ليفشل».

وشدد على أن: «السلطة تتحمّل المسؤولية الأكبر، لأنها كانت الممسكة بكل مفاصل إدارة الحوار وتحديد أطُره ونتائجه وأطرافه، ولم تكن هناك أي ضمانات لتنفيذ المخرجات». ويضيف: «الحكومة يجب ألّا تُفرغ عملية الحوار من معناها». ويستدرك: «ومع ذلك، لا يمكن إعفاء المعارضة كليًا من الأخطاء، لكن جديتها واجتهادها كانا واضحين».

ويؤكد ميلاد أن: «الحوار لا يُقاس بعدد الجلسات، بل بالإرادة الجادة. وأي حوار قادم إذا أُريد له أن ينجح، فلا بد أن يقوم على مبدأ التكافؤ بين الأطراف، وجدول أعمال يعالج جوهر الأزمة السياسية، مع ضمان تنفيذ المخرجات بإشراف وطني شفاف».

ويضيف قائلًا: «وأقول للتاريخ، إن سماحة الشيخ علي سلمان كان ينتظر فريق المعارضة كل ليلة بعد انتهاء الجلسة ليأخذ التفاصيل مباشرة، ولا يقبل تأجيلها لليوم التالي مهما كان الإرهاق. كان يعلّق على النقاط ويعطي توجيهاته لتجاوز أي عراقيل، ويضع على الطاولة كل ما من شأنه إنجاح الحوار. تعلمنا منه الوطنية والإخلاص في حب الوطن وأهله».

البحرين فقط الاستثناء من بين دول مجلس التعاون

في مقارنة خليجية مباشرة بين البحرين وجيرانها، يرى ميلاد أن المنامة: «تمثل الاستثناء الأشد في العلاقة بين الدولة والمجتمع»، إذ تميل إلى «التحكم الأمني أكثر من الإصلاح المؤسسي». ويشير إلى أن الإجراءات الحكومية: «غالبًا ما تُقرأ داخليًا وخارجيًا كأدوات لإدارة الصورة الدولية أكثر منها التزامًا حقيقيًا بالحقوق في الداخل».

ويتابع موضحًا أن: «في المملكة العربية السعودية توجد برامج إصلاح واضحة ونجاح لافت في خفض معدلات البطالة. وفي دولة قطر الشقيقة توجد هناك معدلات دخل مرتفعة ومشروعات اقتصادية كبرى»، أما في البحرين فـ «المواطن يعاني من الفقر وارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة»، حتى بات «الشعب يعيش الحرمان والحسرة وهو يقارن واقعه الصعب بأوضاع أشقائه المرفهين من دول الخليج».

العلاقات البحرينية - الإيرانية
أما في العلاقات البحرينية - الإيرانية، أوضح ميلاد قائلاً: «أنها كانت ولا تزال تُدار من منظور أمني بحت، لا من منظور سياسي أو استراتيجي»، معتبرًا أن هذا النهج جعلها رهينة التوتر والاتهامات بدل المصالح المتبادلة. ويضيف: «اليوم، ومع التقارب السعودي - الإيراني، كان من المفترض أن تسير البحرين في الاتجاه ذاته، لكن المطلوب أن تكون الخطوات جادة وغير مترددة».

ويتساءل: «كيف تمد يدك بصدق إلى الخارج، بينما تقبض بيدك الأخرى على عنق معارضيك في الداخل؟».

السلام لا يُبنى على أشلاء الأبرياء

و حول تطبيع العلاقات بين المنامة والكيان المؤقت أكد ميلاد أن البحرين: «لم تكسب شيئًا من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، بل خسرت قيمها ومكانتها بين الشعوب». ويضيف أن قرار التطبيع «أخذت السلطة المبادرة بالدخول فيه وحدها دون أن يُعرض تحت قبة البرلمان».

موضحا أن التطبيع: «عمّق الفجوة بين الدولة وشعبها، لأن الغالبية الساحقة من البحرينيين تعتبر القضية الفلسطينية قضية مبدئية وإنسانية لا يجوز المقايضة عليها». ويصف ما حدث بأنه: «وهم السلام»، قائلًا: «من الوهم أن يُعتبر التطبيع جسرًا نحو السلام، فهو بوابة الارتهان، والسلام الحقيقي لا يُبنى على أشلاء الأبرياء وجرائم الإبادة».

المعارضة ومسؤولية المراجعة
دعا ميلاد المعارضة إلى «لغة جديدة تتحدث إلى الجيل الجديد بلغة الحلول والمستقبل»، مشددًا على أن «ثقة الشارع تُستعاد بالمبادرة الوطنية الجامعة والرؤية الصادقة».

مضيفا أن «تعدد القوى والتيارات داخل المعارضة يمكن اعتباره مؤشرًا صحيًا إذا تم التعامل معه بعقلية تنسيقية، غير أنه في الحالة البحرينية تحول أحيانًا إلى تشتت في الخطاب واختلاف في الأولويات وتباين في سقوف المطالب، إلا أن محدودية مرونتها في التعامل مع المتغيرات الإقليمية جعلتها أحيانًا بعيدة عن تحقيق تأثير فعّال أو حضور مؤثر في الساحتين الإقليمية والدولية ، مما أبقى خطابها محصورًا إلى حد كبير في الإطار المحلي».

ويرى أن على المعارضة اليوم أن تعيد بناء نفسها فكريًا وتنظيميًا وسياسيًا، بما يتلاءم مع التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة والداخل البحريني خلال العقد الأخير، موضحًا أن العالم يتحول ويتغير، وأن المعارضة - رغم ثباتها - تواجه واحدة من «أعقد البيئات السياسية في المنطقة» ، وهي بحاجة إلى مراجعة شجاعة لأدائها وأساليبها.

وفي سياق الموضوع يُثني ميلاد على دقّة السؤال الذي وُجّه إليه حول «ما الذي على المعارضة فعله اليوم لتجديد ثقة الشارع البحريني بها؟»، معتبرًا أن في السؤال «تعبيرًا دقيقًا»، لأن مصطلح «تجديد الثقة» أدق من «استعادة الثقة»، إذ إن الثقة - كما يوضح - ما زالت راسخة في وجدان البحرينيين، ولم تُفقد حتى تُستعاد.

واستدرك قائلًا: «بل على العكس، فقد عززت السلطة هذه الثقة بقراراتها السلبية، كاتفاق التطبيع، وتفريغ البرلمان من أهم صلاحياته، وارتفاع الدين العام، وهي إجراءات رسخت في الشارع قناعة بأن المعارضة كانت على صواب في مواقفها وثوابتها الوطنية، عندما لمس الشعب أن بلادهم فضّلت الأجنبي على المواطن، وأن القرارات الوطنية تقر خارج قبة البرلمان».

وختم مجيد ميلاد حديثه لمرآة البحرين بالتأكيد على أن الحل في البحرين لا يزال ممكنًا، لكنه «رهين إرادة سياسية مؤمنة بالحوار الحقيقي لا الشكلي»، مؤكدًا أن «الأمل ما زال قائمًا بأن تعي الدولة قبل فوات الآوان أن الإصلاح ليس تهديدًا، بل هو الطريق الوحيد نحو الاستقرار».