الحكومة تُكافح الكراهية بخنْق الشعب أكثر!

2025-11-30 - 8:13 م

مرآة البحرين: آخر نشاطات الحكومة البحرينية الحقوقية ما أُعلن عن إحالتها الى مجلس النواب مشروع قانون عنوانه تعزيز التعايش والتسامح ومكافحة خطاب الكراهية.

مشروع القانون ينصّ على أنه يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنتيْن وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أتى سلوكًا يمسّ بالتعايش أو بالتسامح بإحدى طرق التعبير وباستخدام إحدى الوسائل. كما يُعاقب بذات العقوبة كل من أتى خطابًا للكراهية بإحدى الوسائل. ويُعاقب على الشروع في الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة بالعقوبة المقررة للجريمة التامة.

المشروع يُحدّد طرق التعبير بأن تشمل الفعل أو القول أو الكتابة أو الرسم أو الإشارة أو التصوير أو الغناء أو التمثيل أو الإيماء وغيرها في الوسائل الصحفية أو الإذاعة أو التلفزيون أو شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو المواقع الإلكترونية أو وسائل تقنية المعلومات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أية وسيلة أخرى من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية.

كذلك ينصّ على أنه لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير بقصد إتيان أي قول أو فعل من شأنه المساس أو التحريض على المساس بالتعايش أو التسامح، أو الإتيان بخطاب كراهية، وذلك بالمخالفة لأحكام هذا القانون.

أكثر ما يصدر عن الدولة وأجهزتها في البحرين هو التهديد والوعيد، فهي تبدو لغة ثابتة وإعلان العقاب العسير دائمًا لا يفارق أداء السلطة. مع هذا المشروع إذا سلك طريقه المتوقع في ظلّ مجلس الدمى، أي مجلس النواب الذي يبصم وفق مشيئة الحكومة، يكون الحُكم قد أطبق بشكل نهائي على كلّ حركة في البلد تحت عناوين فضفاضة ومطاطّة جدًا قد يُسقطها على أيّ نشاط يكفله في الأساس الدستور.

صحيحٌ أن الحكومة ترفع بهذا المشروع شعار التعايش والتسامح، لكنّها بنفسها تُناقضه عندما تُعادي فئة واسعة من الشعب تُعبّر عن خياراتها وآرائها وترفع مطالب داخلية لمعيشةٍ أفضل اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

بناءً على ما ورد في المشروع المطروح، يمكن تسجيل الكثير من الملاحظات التي نوجزها في الآتي:

- المشروع يُعرّف التعايش والتسامح بشكل عام، وهذا الوصف الفضفاض يفتح الباب أمام تطبيقات واسعة جدًا للقانون، ما قد يُعتبر رأيًا سياسيًا أو نقدًا اجتماعيًا سلميًا يمكن تفسيره لاحقًا بأنه مساس بالتعايش أو كراهية. وفي ظلّ غياب معايير دقيقة وواضحة، يُصبح على كل متحدث أو كاتب توخّي الحذر المفرط، على حساب حرية التعبير.

- التلويح بالسجن والعقاب لكلّ من يصدر خطاب كراهية أو يمسّ التعايش حسب عقيدة السلطة يعني أن مجرد قول أو كتابة لا تُعجب أجهزة الدولة، قد يؤدي إلى عقوبة جنائية. هذا يضرب صميم مبدأ حرية التعبير، وهو من أبرز أعمدة الديمقراطية. قانون كهذا قد يُرهب الصحافيين والمدوّنين والمثقفين وحتى المواطنين العاديين من التعبير بحرّية خوفًا من الملاحقة.

- يمكن استخدام هذا القانون لتجريم النقد السياسي أو التعبير عن آراء تُصنّفها الحكومة مسيئة باسم "حفظ التعايش"، وهذا يُعيد إلى الأذهان تجارب في دول كثيرة حيث تُستخدم قوانين "مكافحة الكراهية" أو "إساءة الدين" لتكميم الأصوات المعارضة والمعارضة السياسية.

- القانون قد يتحوّل إلى أداة لإسكات الأصوات والتحكّم بالمجتمع المدني وهو عكس ما يفترض أن تفعله الديمقراطية.


في الخلاصة، يتعارض مضمون المشروع الحكومي مع نصّ المادة 23 من الدستور التي تكفل حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، وأن "لكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقًا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، دون المساس بأسس العقيدة ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية".

كما يتناقض مع المادة 24 التي تضمن حرية الصحافة والطباعة والنشر، مع تجريم واسع لأيّ "خطاب يُفهم أنه يمسّ التعايش".

كذلك ينقلب على ما جاء في المادة 31 التي تقول "لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية". إذ يُقيّدها إلى درجة المساس بجوهرها من خلال التجريم بدل التنظيم، والتهديد بالسجن والغرامة. وهذا كلّه يقودنا الى سؤال السلطة: ماذا تخطّط بعد؟ والى متى ستبقى على نهجها في خنق الشعب والمواطنين؟