تدخل جديد في الموارد الشرعية باسم مكافحة غسيل الأموال
2025-11-23 - 11:50 م
مرآة البحرين : يُثير القرار الجديد لوزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف نواف المعاودة، الخاص بتشديد إجراءات الرقابة على الأوقاف ومنع استغلالها في أغراض غسل الأموال وتمويل الإرهاب، جملةً من التساؤلات في الأوساط السياسية والحقوقية في البحرين، ولا سيما لدى المعارضة التي تربط هذا المسار التشريعي بسابقة تجميد الحسابات البنكية لآية الله الشيخ عيسى قاسم قبل سنوات، والتي كانت حقوقا شرعية، وتصرف في موارد محددة وواضحة، وتساهم في رفع عوز الكثير من المواطنين المحتاجين، ممن تخلت الدولة عن مسؤوليتها تجاههم.
وبينما تؤكد الحكومة أن الهدف من القرارات الأخيرة هو ضبط حركة الأموال الوقفية، وتعزيز الشفافية، والالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال، ترى أطراف معارضة أن توسيع صلاحيات وزارة العدل في تتبّع أموال الوقف قد يمهّد لاستخدام الأدوات المالية والقانونية في النزاعات ذات الطابع السياسي أو المذهبي. ويستحضر معارضون وناشطون قضايا عديدة (كالتضييق على الجمعيات الخيرية ومراقبتها) بوصفها مثالًا على تداخل البعد السياسي مع القرارات المالية والقضائية، حيث اعتُبرت حينها -من قبلهم- خطوةً ذات أهداف أبعد من مجرد تنظيم مالي أو ضريبي.
في ضوء ذلك، ينظر هؤلاء إلى القرار الجديد المتعلق بسجلات الأوقاف وتقييم المخاطر وإلزام النظار والإدارات الوقفية بسلسلة من الضوابط الصارمة، بوصفه حلقة إضافية في مسار توسيع الرقابة الرسمية على المجال الديني والمالي معًا. ويعبّر بعضهم عن خشية من أن تُستخدم بنود مثل «منع استغلال الوقف في أي أغراض قد ترتبط بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب» بطريقة انتقائية، تُحمَّل فيها بعض الشخصيات أو الجماعات مسؤوليات مالية أو قانونية ذات طابع سياسي، خاصة في الملفات ذات الحساسية المذهبية.
في المقابل، يردّ مؤيّدو القرار بأن استحضار قضية آية الله قاسم في كل نقاش حول التنظيمات الوقفية «يخلط بين الملفات»، مؤكدين أن الإجراءات الجديدة ذات طابع مؤسسي عام، تشمل الأوقاف السنية والجعفرية معًا، وتستهدف حماية المال الوقفي من العبث أو التسييس، وليس العكس. ويشدّد هؤلاء على أن توثيق بيانات الواقفين والموقوف عليهم والنظار، وإنشاء سجل إلكتروني موحد، والالتزام بحفظ البيانات لعدة سنوات، كلّها خطوات تصبّ في مصلحة حماية حقوق الواقفين والمستفيدين، وتمنع استغلال العناوين الدينية في تحويل الأموال بعيدًا عن مقاصدها الشرعية.
وبين هذين المنظورين، يبقى التحدّي الأساسي -بحسب مراقبين- هو بناء ثقة متبادلة بين الدولة والمجتمع في ملف الأوقاف، ثقة تقوم على وضوح اللوائح التنفيذية، وشفافية إجراءات التجميد أو الملاحقة المالية إن وُجدت، وتوافر ضمانات قانونية تمنع التوظيف السياسي لأدوات الرقابة المالية، مع فتح المجال أمام حوار جادّ حول إصلاح شامل للقوانين الوقفية، يراعي خصوصية التجربة البحرينية وحساسياتها المجتمعية، ويضمن في الوقت نفسه ألا تتكرر أي إجراءات تُقرأ كاستهداف لطرف دون آخر.