اعتقال إبراهيم شريف: حين يتحوّل الرأي إلى جريمة

محمد البناء - 2025-11-20 - 9:18 م

مرآة البحرين : عاد اسم إبراهيم شريف إلى الواجهة مجددًا بعد توقيفه فور وصوله إلى البحرين، في مشهد بات مألوفًا في علاقة السلطة مع الأصوات السياسية المعارضة. لا يحمل الرجل في حقيبته سوى خطاب سياسي علني، ولا يملك سوى الكلمات، لكنها كلمات تُقلق منظومة قمعية لا تتسامح مع النقد، ولا مع كشف التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع السياسي في الإقليم.

شريف بشخصيته المدنية، وانتمائه الوطني العابر للطوائف، وخطابه المباشر يمثّل تيارًا يُصرّ على حقه في التعبير عن موقفه من التطبيع، ومن سياسات الإقليم، ومن الانحيازات التي يرى أنها تُبعد الدولة عن مصالح شعبها. خطابه في المؤتمر القومي العربي، بما تضمنه من انتقاد للتطبيع، ومن دفاعه عن غزة ولبنان، لم يكن خروجًا عن المألوف في تاريخ الرجل، بل استمرارًا لموقفه المعروف منذ سنوات.

لكنّ المشكلة ليست في مضمون كلامه فقط، بل في فكرة وجود صوت سياسي مستقل معارض، خبير اقتصادي، يرفض الصمت. وهذا ما جعل القضية أكبر من شخص، وأوسع من اعتقال. إنها مناسبة تعيد طرح سؤال جوهري: لماذا تتحوّل الكلمة في البحرين إلى تهديد أمني؟ ولماذا تُواجَه الآراء السياسية خصوصًا تلك التي تتعلق بالتطبيع أو بالسياسة الإقليمية باصطفاف أمني وقانوني بدل احتضان النقاش؟

السجلّ الطويل من المحاكمات التي مرّ بها شريف منذ 2011 يوضح نمطًا ثابتًا: كلما عبّر عن موقفه بوضوح، وجد نفسه أمام تهم من نوع "نشر أخبار كاذبة" أو "الإساءة" أو "التحريض". هذا المسار لا يُضعفه كما يبدو، بل يُعيد إنتاج حضوره كأحد أبرز الوجوه المدنية المعارضة التي لا تزال ترفع خطابًا وطنيًا شاملًا.

القضية اليوم لم تعد مرتبطة باعتقال شخص واحد، بل ببيئة سياسية تجرّم الاعتراض، وتتعامل مع النقد كتهديد. السياسات التي تخنق المجال العام لا تخلق استقرارًا، بل تخلق احتقانًا ساكنًا ينتظر لحظة التعبير. إن منع الرأي لا يحمي الدولة؛ بل يحرمها من فرصة تصحيح مساراتها.

من يتابع التفاعل الشعبي والحقوقي حول توقيف شريف يدرك أن الاعتقال مهما طال لا يُلغي الأفكار، ولا يوقف النقاش. بل على العكس، يُعيد فتح أسئلة حول التطبيع، والعدالة، وحرية التعبير، حول حقوق الإنسان وموقع البحرين في الإقليم، وموقع المواطن في دولته.

وهذا هو ما تحاول السلطة غالبًا تجنبه: أن يصبح النقاش علنيًا، وأن يتحول الصوت الفردي إلى موقف عام.
الحرية ليست شعارًا، بل أساس الاستقرار الحقيقي، والديمقراطية لا تُقاس بمجرد وجود مجالس، بل بمدى قدرة المواطن على التعبير من دون خوف. وإذا كان اعتقال شريف رسالة، فإن الرد عليها لا يكون بالصمت، بل بالتمسّك بالحق في النقاش، وبالدفاع عن حرية الرأي باعتبارها حقًا لكل بحريني مهما اختلف موقفه.