البحرين: لماذا تسجن من يتكلّم في الداخل وتطارد من يتكلّم في الخارج؟
2025-11-17 - 10:40 م
مرآة البحرين : هناك دول تخشى السلاح، ودول تخشى الحقيقة، والبحرين كما تبدو اليوم تنتمي إلى الفئة الثانية، وما يحدث فيها منذ سنوات يُبَيِّنُ بأنّ السلطة تشنّ حربًا مفتوحة على الرواية، أي على الرأي الآخر، وليس على المعارضة وحدها.
ها هي تسجن الصوت الوطني إبراهيم شريف من جهة، وتبدأ حملة بائسة لإسكات صوت المعارضة التي تنقل أوجاع الناس، لذا يُطرح هذا السؤال، لماذا تسجن البحرين من يتكلّم في الداخل، ثم تمدّ يدها لملاحقة من يتكلّم في الخارج؟
معرفة الإجابة تبدأ من حقيقة أن النظام السياسي في البحرين لم ينجح، منذ عقود، في بناء شرعية ترتكز على الإرادة الشعبية، فهو نظام يقوم على عائلة تحكم، وعلى معادلة أمنية خشنة، وعلى ريعٍ نفطي متقلّب، وعلى دعم إقليمي مباشر، يضمن استمرار هذه المعادلة القائمة بعيدًا جدًا عن ضمان استقرار المجتمع.
وفي هكذا نظام، يصبح الصوت المختلف خطرًا، والرواية والسردية المخالفة لرأي العائلة الحاكمة تهديدا وجوديا، ليس لأنّ هذا الرأي يهدد الدولة، وإنما لأنّه يهدد صورة الدولة.
إبراهيم شريف، مثال بارز، رجل وطني، اقتصادي، سلميٌّ، مدنيٌّ، لا ينتمي إلى خطاب طائفي ولا إلى مشروع خارجي، وجوده نفسه ينزع من السلطة حجّتها المريحة بأن المعارضة طائفية أو تابعة للخارج، لذلك يُعامَل الصوت الذي يمثّله شريف باعتباره خطرًا على الرواية الرسمية.
لذا نجد أنّه في كل مرة يتحدث فيها شريف سواءًا داخل البحرين أو في مؤتمر عربي، تبدأ السلطة في رفع الصوت والتهديد، ثم رفع القبضة وبدء القمع والاستدعاء والاعتقال.
هذا يقودنا إلى الملمح الثاني، وهو استمرار عقلية 2011، فالسلطة البحرينية لم تتجاوز لحظة الأزمة الكبرى، وإنما اعتمدتها نموذجًا لإدارة البلد، فباتت كل حركة، كل فكرة وكل انتقاد، يُنظر إليه بوصفه مؤامرة كامنة تلاحقها وزارة الداخلية.
هكذا تحوّل الأمن في بلدنا إلى أداة للردع وزرع الخوف، وصار الاعتقال رسالة سياسية وليس إجراءًا قانونيًا، وصارت الأحكام القضائية مُسيّسة لزرع الرعب.
أمّا لماذا تُطارد البحرين الأصوات في الخارج؟ فالسبب أعمق، إذ أنّ النظام يدرك أن السيطرة على الداخل وحده غير كافية، فثمة إعلام مستقل في المنفى، يعرض صورة للبحرين مختلفة عن نشرات الأخبار الرسمية.
هذه الأصوات في الخارج تفلتُ من أدوات السيطرة المحلية وتقول عبر المنطق والأرقام حقائق الأمور، لذلك تمدّ السلطة أدواتها خارج الحدود فيما يسميه الباحثون اليوم القمع العابر للحدود.
حكومة مرعوبة ترى التغريدة خطرًا، والمقالُ تهديدًا، والموقع الإلكتروني والقناة ذات الرأي الناقد، ساحة حرب.
يضيق صدر السلطات، بكل من يعكس لها صورة غير التي ترغب في تسويقها بأنها دولة إصلاحات، ورؤى اقتصادية، ومؤتمرات عن التسامح والعدالة، بينما الواقع يكشف سجونًا مكتظة، وتمييزًا سياسيًا وطائفيًا قذرًا، وفشلاً سياسيًا واقتصاديًا مدويّا، أدّى بالبلاد لأن تكون منصة لمشاريع دول مختلفة لا تريد الخير للبحرين ولا للمنطقة.
جوهر المسألة بسيط، سلطات البحرين تخشى الصوت المُعارض، وتخشى ما يمثّله، وتطارد الناشط في الخارج، نظرًا لاخفاقها في إقناع الداخل بنجاح سياساتها، بل وتسجن الصوت الحرّ لخشيتها من أن يُعاد بناء المجال العام الذي تحاول إلجامه منذ 2011.
بعد 14 عاما من 2011، لم تعد المشكلة منحصرة في ممارسة السلطة للقمع، بل بعدم امتلاكها ما تقدّمه سوى القمع والملاحقات.
إنّ دولةً ترى في الصوت الحرّ خطرًا، والرأي المختلف تهديدًا، والناقدُ عدوًّا، هي دولة لا تواجه معارضيها، بل تواجه حقيقتها.
- 2025-11-17تسامح الدولة البحرينية.. شعارٌ لتجميل القمع
- 2025-11-15توقيفات بالجملة بسبب تشييع.. عقيدة أمنية متحجّرة
- 2025-11-14يا وزارة التنمية .. هل المطلوب إفراغ النشاط الأهلي والمدني من مضمونه؟
- 2025-11-12هكذا يوثّق آية الله قاسم مكانة سيد شهداء الأمة في وجدانه
- 2025-11-11"منتدى الملك حمد للعدالة" .. المزيد من الميزانيات لتلميع القمع