توقيفات بالجملة بسبب تشييع.. عقيدة أمنية متحجّرة
2025-11-15 - 11:28 ص
مرآة البحرين : إلى الآن، لم تتّضح الحصيلة النهائية للتوقيفات التي أقدمت عليها أجهزة الأمن في البحرين بحقّ المشاركين في تشييع الشاب عبدالله حسن. البعض رجّح أن تكون قد تجاوزت الثلاثين، لكن القصّة ليست هنا. إنها المشكلة الثابتة في البلد: القبضة الأمنية والعقيدة المُتحجّرة للدولة.
خلفية حملة المداهمات والاستدعاءات الأمنية الواسعة هي المشاركة في تشييع الشاب المغدور. هذه الخطوة تسبّبت بحالة من الاستياء العارم بين المواطنين الذين عبّروا عن سخطهم من إهمال الدولة علنًا وصراحةً لمشاعر طيْف كبير من الشعب آلمه هذا المُصاب وكيفية تعامل السلطة معه إعلاميًا كما على صعيد الإجراءات المتخذة ورحلة البحث عنه قبل العثور عليه غارقًا ومُتوفيًا.
تنضمّ هذه الحادثة إلى سلسلة الحوادث التي تفتعلها الدولة من أجل توتير الأجواء الداخلية في البلد تحقيقًا لمصالحها حصرًا. بهذه الطريقة، هي تقول: الأمن سلاحي أُشهرُه حيثما أريد وتجاه من أريد.
وهذا يعني أن الدولة مُصرّة على نهجها البوليسي الذي يُشهد لها أنها لا تعرف سواه. هي عقلية لا تلحظ إصلاحًا أو تغييرًا في مفاهيمها، ولا تعترف بالمنطق في أسلوبها وأدائها.
هو خطاب الكراهية لا الاستيعاب الذي تنتهجه السلطة في كلّ المواقف والحوادث التي تحصل في البلد. بدلًا من استثمار القضية الإنسانية للشاب عبد الله حسن بطريقة إيجابية وعدم استعداء الناس وما تسبّبت به هذه الحادثة من شعور بالألم والقلق لدى عدد كبير من البحرينيين، ولاسيّما فئة الصيادين، اختارت الإجهاز عليهم ومُضايقتهم حتى عند تشييع الشاب المغدور.
المشهد يُرسّخ الأزمة التي تعيشها البحرين منذ 2011، ولا يمكن قراءته إلّا كحلقة جديدة من نهجٍ مُتصاعد في تجريم التعبير عن المشاعر الجماعية وتحويل أيّ فعل تضامني إلى قضية أمنية.
تعرف السلطة أن الدستور الذي تتغنّى به يقرّ بوضوح، في المادة 23، بحرية الرأي والتعبير "بالقول أو الكتابة أو غيرهما من وسائل التعبير". كما تنص المادة 28 على حق المواطنين في التجمع السلمي دون إخلال بالنظام العام، غير أنها تتنصّل من ذلك تمامًا ودائمًا، وما جرى في تشييع عبد الله حسن يُظهر تناقضًا فاضحًا بين النصوص الدستورية والممارسة العملية، إذ تحوّل الحق في المشاركة في جنازة إلى سبب للاعتقال والاستدعاء والتحقيق.
تستخدم السلطات البحرينية مفهوم الأمن كغطاءٍ لتبرير أيّ قمع للحريات، حتى تلك المرتبطة بالعادات الاجتماعية والدينية. وبهذه الذريعة، تُحوّل أيّ مناسبة إلى مشهد أمني يزرع الخوف في نفوس المواطنين، ويهدف إلى تفكيك الروابط المجتمعية التي تقوم على التعاطف والتضامن، لكن هذا النهج لا يؤدي إلّا إلى تعميق الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويُغذّي الشعور بالظلم والاضطهاد بدل الاستقرار.
وعليه، توقيف المواطنين بسبب مشاركتهم في تشييع أحد أبناء وطنهم يعبّر عن أزمة حُكم حقيقية. الدولة التي تخشى من جنازة، وتتعامل مع الحزن كتهديد، تؤكد أنها فقدت ثقة مواطنيها قبل أن تفقد احترام العالم.
- 2025-11-14يا وزارة التنمية .. هل المطلوب إفراغ النشاط الأهلي والمدني من مضمونه؟
- 2025-11-12هكذا يوثّق آية الله قاسم مكانة سيد شهداء الأمة في وجدانه
- 2025-11-11"منتدى الملك حمد للعدالة" .. المزيد من الميزانيات لتلميع القمع
- 2025-11-10الملك يشيد بالصحافة التي لا تشيد إلا به!
- 2025-11-09فيلم بحارنة البنادر: يروي معاناة المُهجّرين في المحمرة