"منتدى الملك حمد للعدالة" .. المزيد من الميزانيات لتلميع القمع
2025-11-11 - 11:22 ص
مرآة البحرين : في البحرين، عندما تُذكر كلمة ""منتدى"، عليك أن تستعد لعروض تزيينية جديدة لتسويق الاستبداد في ثوب قانوني. هذه المرة حمل المهرجان اسمًا براقًا: منتدى الملك حمد للعدالة، عنوان ثقيل على بلدٍ لم يعرف العدالة يومًا إلا كضيف عابر في بيانات العلاقات العامة.
المنتدى أُقيم قبل أيام في مركز عيسى الثقافي، المكان الذي تحب السلطة أن تُطل منه على العالم لتقول: "انظروا، نحن دولة مؤسسات!"، بينما في الجانب الآخر من الوطن، تُغلق المساجد، ويُسجن الخطباء، وتُكمم الأفواه.
يجلس الوزراء والوجهاء في القاعة، يصغون بوقار إلى خطاب ولي العهد وهو يحدّثهم عن العدالة والثقة والازدهار، وكأن البلاد لا تعيش على وقع أحكام المؤبد وسحب الجنسيات.
العدالة التي يتحدثون عنها ليست إلا ديكورًا سياسيًا لتلميع النظام أمام المجتمع الدولي. فالمنتدى لم يُنشأ لمناقشة إصلاح القضاء المحلي أو فتح ملف المعتقلين، بل لتسويق محكمة البحرين التجارية الدولية كإنجاز قانوني يُطمئن المستثمرين الأجانب، أي أن العدالة هنا تجارية اقتصادية بالدرجة الأولى، تُقاس بعدد العقود لا بعدد الحقوق المنتهكة.
هل سمع أحد في المنتدى عن آلاف القضايا التي حُكم فيها على معارضين بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب؟ هل ذُكر شيء عن المحامين الذين يُعتقلون لأنهم دافعوا عن حقوق الإنسان؟ بالطبع لا، فالمنتدى لا يحتمل "تشويشاً" على الصورة اللامعة. المهم أن يخرج الضيوف الأجانب بانطباع أن البحرين جنة العدالة الاستثمارية، ولو على حساب عدالة الإنسان.
تأمل العنوان جيداً: (منتدى الملك حمد للعدالة)، العدالة هنا ليست قيمة جماعية ولا منظومة قانونية، بل "ملكية"، تُنسب للحاكم كما تُنسب المشاريع الإقتصادية، وهذا وحده كافٍ ليُفهم أن العدالة في البحرين شأن سلطاني لا قضائي.
في كلمته، قال ولي العهد إن "العدالة تتحقق عبر مؤسسات قوية"، لكن الحقيقة أن هذا المنتدى نفسه هو شعار ضخم، لا مؤسّسة. ما يحدث هو عكس كلامه تماماً: شعارات مكررة عن "سيادة القانون" و"الشفافية" في بلدٍ يُحاكم فيه المغرّد على كلمة، وتُسحب فيه جنسية الأكاديمي، وتُمنح لقائد ميليشيا إلكترونية.
المنتدى إذن ليس سوى مسرحٍ سياسيّ موجه للخارج، هدفه أن يقول للعالم إن البحرين تحترم القانون بينما في الداخل تُدار المحاكم كأداة ضبط سياسي. أما العدالة الحقيقية، فقد حُكم عليها غيابياً منذ زمن طويل، ولم يُسمح لمحاميها بالدخول إلى الجلسة!
قد يكون هذا المنتدى مثالاً على ذكاء النظام في تجميل صورته الدولية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عمق أزمته الداخلية: إذ كلما زاد القمع، زاد الاستثمار في الخطاب الجميل عن "العدالة". إنه كمن يضع عطراً فرنسياً على جثة!
المنتدى انتهى، الخطب ألقيت، الصور التذكارية التُقطت، لكن البحرينيين يعرفون أن العدالة لا تسكن في مركز عيسى الثقافي، بل في السجون التي امتلأت بمن طالبوا بها. ومن المؤسف أن العدالة في هذا البلد لا تُناقش في قاعات المؤتمرات، بل تُنتزع في الزنازين، بالصبر والدمع والدعاء.
هكذا تحولت العدالة في البحرين من قيمة إلهية إلى شعار إداري، ومن فريضة شرعية إلى بندٍ في جدول استثمار اقتصادي . أما المنتدى، فسيبقى رمزاً مدفوع الثمن لحقبة تُقاس فيها قيمة العدالة بعدد الكراسي المحجوزة في الصفوف الأولى
- 2025-11-10الملك يشيد بالصحافة التي لا تشيد إلا به!
- 2025-11-09فيلم بحارنة البنادر: يروي معاناة المُهجّرين في المحمرة
- 2025-11-07فيديوهات التطبيع لا تصنع سلامًا: البحرينيون لا يرحّبون بـ"الاسرائيليات" بينهم
- 2025-11-06لماذا لا يمكن للبحرينيين أن يصدقوا الرواية الرسمية في قضية مقتل شهيد لقمة العيش عبدالله؟
- 2025-11-04كيف يتمّ صناعة الطبالين للنظام في البحرين؟