لماذا لا يمكن للبحرينيين أن يصدقوا الرواية الرسمية في قضية مقتل شهيد لقمة العيش عبدالله؟

2025-11-06 - 7:25 م

مرآة البحرين: قبل أسبوعين، وقع حادث بحري مأساوي بين قارب خفر السواحل البحريني وقارب صيد صغير كان على متنه أربعة بحارة يصطادون الروبيان في فترة الحظر السنوي لصيد هذا النوع.
اصطدام قارب خفر السواحل بقارب البحارة أدى إلى سقوط اثنين من البحارة في المياه، حيث أنقذ أحدهما، بينما بقي الآخر -عبدالله- مفقودًا لأيام، حتى أُعلن عن العثور على جثمانه قبل يومين على أحد سواحل قطر.

ورغم وضوح الملابسات، نفت وزارة الداخلية مسؤوليتها عن الحادث، وأصدرت بيانًا اتهمت فيه البحارة أنفسهم بالتسبب في سقوط زميلهم، واستخدمت مصطلح "المتسببين" بدلًا من "المشتبه بهم"، في محاولة واضحة لتبرئة الأجهزة الرسمية قبل أي تحقيق.

لكن البحرينيين لم يصدقوا الرواية الرسمية، ليس فقط بسبب التناقضات في تفاصيل الحادث، وليس بسبب محاولة منع الناجين من الحديث للإعلام عبر احتجاز اثنين منهم، إضافة للامتناع عن بث تسجيل الحادث لحظة الاصطدام، بل لأن هناك تاريخًا طويلًا من الكذب الرسمي المتكرر يحفظه الناس، اعتاد فيه النظام على قلب الحقائق، واتهام الضحايا أو المواطنين بالتقصير، لتظهر السلطة دائمًا بمظهر "الحامي للقانون"، رغم كونها في الحقيقة الطرف المتهم والمُدان أخلاقيًا في كثير من الحالات المشابهة.

ولأنّ الذاكرة الشعبية لا تنسى، فإنّ أمثلة التضليل الرسمي كثيرة، نذكر منها بعضًا مما علِق في وجدان البحرينيين:

الشيخ علي النكّاس (1997)

في 29 يونيو 1997، استُشهد الشيخ علي النكّاس بعد اعتقاله خلال انتفاضة التسعينات.
قالت الرواية الرسمية إنه توفي بسبب أمراضه السابقة، لكن الحقيقة أنّه كان ضريرًا وكبير السن، وتعرّض للتعذيب والإهمال الطبي حتى الموت، بعدما قُطع لسانه في السجن لأنه لم يسكت عن الظلم، في واحدة من أبشع جرائم التعذيب التي حاولت السلطة التغطية عليها.

الشهيد عيسى أحمد حسن قمبر (1996)

أُُعدم الشهيد عيسى قمبر رميًا بالرصاص فجر 26 مارس 1996، بعد محاكمة استثنائية وغير عادلة أمام محكمة أمن الدولة.
زعمت السلطة أنّ الإعدام تمّ "وفق القانون" بعد إدانته بقتل أحد عناصر الداخلية، لكن الوقائع تؤكد أنه تعرض لتعذيب شديد وانتُزعت اعترافاته بالقوة.
هذا ولم تسلّم جثته لأهله ولم يُسمح بتشييعه، في محاولة لإرهاب الناس وكسر الاحتجاجات.

الشهيد زكريا العشيري (2011)

توفي زكريا العشيري في الحجز يوم 9 أبريل 2011، وقالت وزارة الداخلية آنذاك إنه مات بسبب مضاعفات فقر الدم المنجلي (السكلر).
لكن الشهود أكدوا أنه قُتل تحت التعذيب الشديد في سجن الحوض الجاف، وقد وُثقت آثار الضرب على جسده، واعتُبر لاحقًا ضمن ضحايا التعذيب لعام 2011 وفق تقارير حقوقية مستقلة.

الشهيد علي المؤمن (الخميس الدامي - 17 فبراير 2011)

خلال الهجوم على دوّار اللؤلؤة فجر 17 فبراير 2011، قالت وزارة الداخلية إنّ القوات تدخلت "بعد استنفاد فرص الحوار".
لكن الحقيقة أن القوات هاجمت المعتصمين النائمين عند الثالثة فجرًا بالرصاص الانشطاري والغاز دون تحذير، ما أدى لاستشهاد علي المؤمن وثلاثة آخرين.
ورُفض السماح للإسعاف بنقل الجرحى، وسُمي ذلك اليوم في ذاكرة البحرينيين بـ"مجزرة دوار اللؤلؤة".


لم يتوقف سرد الأكاذيب الرسمية عند حدود الأمن، بل امتد إلى الإعلام والقضاء، حتى صارت سياسة الدولة قائمة على الإنكار والكذب الممنهج.

من الأمثلة الصارخة على ذلك قضية الشيخ علي سلمان، الذي اعتُقل في ديسمبر 2014، وحوكم بتهم ملفقة، منها "التحريض على الكراهية" و"إهانة وزارة الداخلية"، رغم أن خُطبه كانت من أكثر الخطابات دعوةً للسلمية والوحدة الوطنية.
وفي 2018، استغلت السلطة توترها مع قطر لتتهمه زورًا بـ"التجسس لصالح قطر"، وتُصدر بحقه حكمًا بالسجن المؤبد، رغم انتفاء أي دليل قانوني جاد.

إنّ سجل الأكاذيب الممتدة يجعل من الصعب على أي بحريني أن يصدق اليوم رواية السلطة عن الحادث الذي أودى بحياة عبدالله حسن.
فالكذب لم يكن حادثة طارئة، بل نهجًا مستمرًا لتبرئة السلطة من دماء الأبرياء، وتزييف وعي الناس.

فهل بعد كل هذا التاريخ يمكن تصديق الرواية الرسمية في مقتل شهيد لقمة العيش؟