من الاقتصاد إلى الإعلام: أدوات النظام في تخدير الشارع البحريني

محمد البناء - 2025-11-05 - 12:34 م

مرآة البحرين : في زمن بدأت فيه الشعوب تُطالب بحقوقها، يبدو أن بعض الحكّام أتقنوا فنّ "تخدير الشعوب" ببراعة، والبحرين مثال بارز لذلك، حيث تُمارس أساليب تُثير الدهشة في علم النفس الجماعي وفنون الخداع السياسي.

الوصفة السحرية للتخدير
يبدأ التخدير بجرعات منتظمة من الوعود البراقة: "سنحسن أوضاعكم المعيشية"، "سنحارب الفساد"، "سنوفر فرص عمل". وعود تُكرَّر حتى تتحول إلى طقوس لفظية بلا مضمون. ثم تأتي "الحقنة المهدئة" من المشاريع الوهمية التي تُعلن في الإعلام بضجيج كبير، بينما الواقع لا يتغير.

فنّ الإلهاء
من أدوات التخدير الأساسية تحويل الترفيه إلى وسيلة سيطرة. في ظل البطالة وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات، يُقدَّم للشعب "خبز وسيرك": حفلات ومهرجانات وسباقات فورمولا 1 تستهلك الملايين، بينما التعليم والصحة يعانيان. الهدف أن يبقى المواطن منشغلاً بالمُلهيات لا بالمعاناة.

الإعلام: المخدر الأقوى
الإعلام الرسمي في البحرين مصنع دائم للأخبار السعيدة. كل شيء مثالي، وكل مشروع "ناجح"، رغم أن المواطن يرى العكس. التلفزيون يُجمّل الواقع، والصحف تُضخّم المنجزات، ووسائل التواصل تُغرق الناس بالمحتوى التافه لصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية.

الشعارات الرنانة
عبارات مثل "البحرين أولاً" و"رؤية 2030" تُرفع في كل مكان لتُخدر الوعي العام. تُشعر المواطن بأن هناك خطة وإصلاحاً، بينما لا يتغير شيء فعلياً. إنها مسكنات سياسية تُخفي المرض الحقيقي ولا تُعالجه.

الاقتصاد الوهمي
الإحصائيات الرسمية تُظهر نمواً اقتصادياً وتحسناً في المعيشة، لكن الواقع مختلف: أسعار مرتفعة، رواتب ضعيفة، وشباب عاطل. تُلمّع الأرقام وتُخدَّر الحقائق، فيُخلق اقتصادٌ شكلي يخدم الصورة لا المواطن.

التخدير الاجتماعي
يُستخدم تقسيم المجتمع طائفياً وقبلياً كوسيلة لإضعاف وحدته. كلما تصاعدت المطالب بالإصلاح، تُثار الخلافات الداخلية لتشتيت الوعي، فينشغل الناس ببعضهم عن مواجهة من يُفترض أنهم مسؤولون عن أزماتهم.

التعليم: تخدير العقول
المناهج تُخرّج طلاباً مطيعين لا مفكرين. تُغرس فيهم مهارات الحفظ لا التفكير النقدي. وهكذا يُنشأ جيل يعرف تاريخه الرسمي، لكنه يجهل كيف يُحلل حاضره أو يصنع مستقبله.

تخدير الشباب
النظام يركز على تخدير طموحات الشباب بوعود زائفة ومبادرات شكلية. يُشغلهم بمهرجانات ومسابقات أغلبها لا يُنتج شيئاً، ويُباع لهم وهم النجاح السريع، بينما تظل فرص العمل الحقيقية غائبة.

تخدير النساء
رغم الشعارات البراقة عن "تمكين المرأة"، ما زالت تعاني من التمييز في الأجور والفرص. تُسلّط الأضواء على حالات استثنائية - وزيرة أو سفيرة - لتغطية واقع آلاف النساء المهمّشات.

التخدير القانوني والإعلامي
القانون يُرفع كشعار لا كحقيقة. يُطبَّق بصرامة على المعارضين وبمرونة على الموالين. والإعلام بدوره يُروّج لعدالة شكلية، ليبقى المواطن مخدَّراً بوهم وجود مؤسسات نزيهة.

متى ينتهي مفعول المخدر؟
مهما طال زمن الوهم، سيزول تأثيره. الشعوب لا تبقى نائمة إلى الأبد، والوعي يعود ولو ببطء. البحرين اليوم أمام خيارين: الاستمرار في سياسة التخدير حتى الانفجار، أو مواجهة الواقع بشجاعة لإصلاح الأسباب لا الأعراض. فالمخدرات السياسية لا تُبقي نظاماً، ولا تُسكت شعباً إلى الأبد.