كيف يتمّ صناعة الطبالين للنظام في البحرين؟

2025-11-04 - 1:02 م

مرآة البحرين : في البحرين، لم تعد صناعة الطبالين مجرّد هواية موسمية أو نشاطًا انتخابيًا محدودًا، بل أصبحت صناعة وطنية كبرى لها ممولوها ووكلاؤها، وتُدار برعاية مباشرة من الديوان الملكي وبمباركة وزارة الداخلية.

نحن اليوم في بلدٍ تحوّل من أرض النفط واللؤلؤ إلى مملكة الطبول والدفوف، حيث صار التطبيل أهم من التعليم والصحة والعدالة.

المرحلة الأولى: اختيار البذور
كل صناعة تبدأ من البذور، والنظام يعرف أن الطبال الجيّد لا يُزرع في أرضٍ حرة، بل في أرضٍ مخصبة بالجهل والخوف والطمع. لذا يبحث في المدارس والجامعات والأحياء الشعبية عن أولئك الذين يملكون قابلية الانحناء أكثر من قابلية التفكير.
الطالب الذي يغشّ ويضحك، والشاب الذي يقضي ساعة أمام المرآة دون أن يقرأ سطرًا واحدًا، والموظف الذي يُجامل مديره في وجهه ويهاجمه في غيابه؛ جميعهم مواد خام لمصنع التطبيل.
هؤلاء يُجمعون ويُربَّون على "حب الملك أولًا، حب الكرسي ثانيًا، ومن يعارضك فهو خائن ثالثًا".

المرحلة الثانية: التأهيل والتدريب
يحتاج التطبيل إلى تدريب مستمر. فليس كل أحدٍ قادرًا على التصفيق بحماس دون أن يُصاب بالغثيان. هنا يتدخل الإعلام الرسمي: تلفزيون البحرين، وكالة الأنباء، الصحف الصفراء، الذباب الإلكتروني.
يُغرس في عقل الطبال أن النظام هو الشمس، وأن الشعب غبار لا يُرى إلا في ضوء الحاكم. وكلما ازداد التصفيق، حصل على مكافآت صغيرة: وظيفة، عقد مقاولة، أو صورة مع أحد المسؤولين ينشرها بفخرٍ كأنها وسام شرف.

المرحلة الثالثة: صناعة النغمة
النظام لا يريد ضجيجًا فوضويًا، بل إيقاعًا منظمًا:

عند ذكر الملك: طبلة حماسية.
عند الحديث عن المعارضة: طبلة تهديد.
وعند جرائم الداخلية: تبرأتها واتهام الطرف المقابل.
عند ذكر السعودية أو الإمارات: طبلة مديح.
وعند ذكر فلسطين أو اليمن: صمتٌ وتحويل الموضوع إلى "الوحدة الوطنية".

بهذا يصبح الطبال جزءًا من أوركسترا القمع، يعزف ليغطي على صرخات المظلومين في وطنه.

المرحلة الرابعة: الامتيازات
الطبال الجيّد يُكافأ. تُفتح له أبواب الامتيازات الصغيرة: مناصب "شرفية"، مقاعد برلمانية بلا قرار، رواتب بلا عمل، أو دعوات لحفلات الولاء الوطني. ومع الوقت يصدق بعضهم أنه أصبح "شخصية مهمة"، بينما النظام لا يراه إلا أداة تُستبدل عند أول فرصة.

المرحلة الخامسة: إعادة التدوير
حين يشيخ الطبال أو يفقد حماسه، يُستبدل سريعًا بآخر أكثر اندفاعًا وأقل وعيًا. أما القديم فيُحال إلى التقاعد بلقب "الخبير الوطني"، ليكتب مقالاتٍ مملة عن "الإنجازات العظيمة" التي لا يراها أحد سواه.

الطبالون في زمن السوشال ميديا
لم يعد الطبال بحاجة إلى منصة رسمية. اليوم يكفيه هاتف ذكي ليُمارس هوايته من السرير: تغريدة "عاشت القيادة الحكيمة"، منشور "نحن بخير طالما أن الملك بخير"، وصورة مع شعار "كلنا فداء للوطن". المهم أن يملأ الفضاء بالضجيج، ليُغرق أصوات المعارضين في بحرٍ من الدفوف الإلكترونية.
ومؤخراً، نشط "الذباب الإلكتروني" ليكشف عن دور مباشر للأجهزة الأمنية في قضية المغدور الشهيد عبد الله حسن، بعد تسريب مستند رسمي لمخصصات مالية تُدفع لموظف في وزارة الداخلية لإدارة حساب "الفاروق".


الطبالون في البرلمان والإعلام
البرلمان البحريني أشبه بقاعة عزف جماعي؛ كل نائب يحمل طبلة صغيرة، يضربها حين يدخل الوزير أو يُذكر "الإنجاز الوطني". أما الإعلام، فهو أكبر مصنع للطبالين: مذيعون يبتسمون أكثر مما يتحدثون، صحفيون يكتبون كأنهم يرسلون رسائل حب للسلطة، ومحللون يصرخون ضد المعارضة ثم يهمسون للوزير: "هل كنت جيدًا الليلة؟".
الطبل هنا ليس خشبًا وجلدًا، بل الكلمة والكاميرا، والضجيج الإعلامي أقوى من ألف مدفع لأنه يصنع الوهم بأن "كل شيء بخير".

الطبالون في الشارع
حين يحتاج النظام إلى "مشهد شعبي"، يخرج الطبالون في مسيرات منظمة: أعلام، صور، وهتافات جاهزة لـ"طويل العمر". وبعد أن تنتهي الكاميرات، يختفي الجمع، ويعود الشارع الحقيقي إلى صمته المليء بالغضب.

المأساة الحقيقية
المشكلة ليست في الطبالين فقط، بل في أن ضجيجهم يُغطي على أصوات المظلومين: أمهات على أبواب السجون، أطفال محرومون من آبائهم وشباب تُسحق أعمارهم في المعتقلات.
النظام يريد أن يرقص الجميع على إيقاع طبوله، لكن كل ضربة طبل تعني صرخة حقيقية تم إسكاتها.

إن صناعة الطبالين في البحرين ليست مجرد ظاهرة اجتماعية، بل سياسة ممنهجة لإنتاج جيش من المصفقين والمروّجين للسردية الرسمية، يُخفون الحقيقة ويُجمّلون القبح.
ومهما كثر الطبالون، سيبقى ضجيجهم مؤقتًا، لأن صوت المظلوم، مهما خُنق اليوم، سيعلو غدًا ويكسر الطبول جميعها.