مرآة البحرين : حينما يسيل التاريخ على صفحة الحاضر، فيعيد مشهديته، سترى صورة الشهيد عبدالله يبتسم من بين أمواج البحر، ليذكرنا أن البحر صفحة من صفحات التاريخ التي كُتب عليها معاناة البحارنة، وكأن ثورة الغواصين تُشيّع عبدالله إلى مثواه الأخير، كواحد في سلسلة من شهداء لقمة العيش والقضية الوطنية.
فما بين العشرينات والثلاثينات وجد الغواصون أنفسهم أمام معضلة حقيقية، فهم ما بين تضاؤل فرص العمل بسبب الكساد الكبير آنذاك وظهور اللؤلؤ المستزرع من قبل اليابان من جهة، ومن جهة أخرى كانت الديون التي استدانوها من النواخذة تقصم ظهورهم من جهة ثانية، وأما السبب الثالث فكانت الإجراءات الحكومية التي زادت من معاناتهم.
ثورة الغواصين بدأت في 1919 باسم انتفاضة الخير، من ثم تتابعت الأحداث لأن الحكومة وقتها لم تحل مشكلتهم، ولم توسع من تيسير القروض وطرق سدادها.
هنا نلحظ أن عاملين أطبقا على الأحداث: الظروف (ظروف الغواصين) والإجراءات (الإجراءات الحكومية غير الجادة في حل المشكلة).

ما علاقة ذلك باليوم؟
هناك الظروف الصعبة وغير العادية، (ظروف المواطنين عموماً/عبدالله مثالاً) وهناك الإجراءات (الجمود السياسي الذي لم يتحرك نحو الحلول الجذرية اقتصاديا وسياسيا).
في ظل هذه المحنة، يتفاقم الغضب، وتتراكم الأسباب، وتُستنسخ التجارب، ويتحرك الطبع البشري بما تدفع به غريزة البقاء، وهذه الظروف كلها موجودة الآن، بل متخمرة منذ 2011.

كل ذلك يُضاف إلى الرواية الرسمية الملتبسة حول ظروف سقوط المواطن في البحر، والتي يؤكد الشهود والمصادر الأهلية أنها رواية غير صحيحة، بل ومختلقة، وأن سبب سقوط عبدالله في البحر هو اصطدام طراد خفر السواحل بشكل متعمد بطراد الصيادين.

فإذن، نختصر المشهد في أن عوامل الغضب التي تعمل السلطة على سجرها: 1- ظروف المواطنين. 2- عدم السعي للحلول. 3-تسبب السلطة في أذى المواطنين (الشهيد عبدالله مؤخراً) من ثم اختلاق رواية غير مقنعة لأحد.

أمام هذا المشهد، تتوالد الأسئلة الجادة والمُلحة، من قبيل:
ماذا يُراد من المواطنين أن يُترجموا من ردود فعل؟
وكيف يمكن احتواء المشهد قبل أن يتسلسل في تفاقمه وتطوره؟
وهل هناك عقلاء يسعون لفتح الملف السياسي/الاقتصادي ووضع حلول وطنية جادة لامتصاص التراكم السلبي أولًا عند الناس، وتقديم البدائل المخففة لمعاناة المواطنين ثانيا؟

أم أن التجاهل وتصغير المشكلة سيمنع من التقدم بشجاعة نحو الحديث عن الحلول الحقيقية التي تخدم الوطن حاكمًا ومحكومًا؟