ندوة "خصخصة الكهرباء والدعم الحكومي":
مخاوف من تراجع شبكة الأمان الاجتماعي وتآكل فرص البحرينيين في القطاع العام
2025-10-30 - 11:37 ص
مرآة البحرين: نظّمت جمعية التجمع القومي الديمقراطي في مقرها بالعدلية ندوة بعنوان "خصخصة الكهرباء والدعم الحكومي"، قدّمها الخبير الاقتصادي إبراهيم شريف، الذي تناول خلال حديثه مشروع خصخصة قطاعي الكهرباء والماء وتداعياته على العدالة الاجتماعية ومستقبل الأمن الاقتصادي في البحرين.
شريف تساءل في مستهل الندوة عمّا إذا كانت البلاد مقبلة على تخلٍّ تدريجي من الدولة عن شبكة الأمان الاجتماعي، مشيرًا إلى أن القضية لا تقتصر على دعم الكهرباء والماء، بل تمتد إلى الوقود والعلاوات والدعم المعيشي العام.
توصيات صندوق النقد الدولي وملاحظاته
استعرض شريف أبرز توصيات المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي للحكومة البحرينية، التي تضمنت توسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة، وفرض ضريبة على دخل الشركات، وخفض فاتورة الأجور في القطاع العام، إلى جانب الإلغاء التدريجي لدعم الطاقة مقابل تحويلات مالية موجهة للفئات الأكثر حاجة.
كما أشار إلى توصية الصندوق بـ الحد من الإنفاق خارج الموازنة الذي يبلغ نحو 700 مليون دينار سنويًا، وإدراجه ضمن الموازنة العامة، مؤكدًا أن الصندوق "ليس في موقع ضغط على البحرين، إذ لم تقترض الحكومة منه، لكنه يقدّم ملاحظات غير ملزمة".
ولفت إلى أن الدين العام ارتفع بنحو 1.8 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، في وقت بلغ فيه السحب على المكشوف من المصرف المركزي 4.5 مليارات دينار.
خصخصة واسعة وآثار على العمالة الوطنية
أوضح شريف أن سياسة الخصخصة باتت توجهاً عاماً لدى الحكومة، مشيرًا إلى أن خصخصة وظائف مثل الحراسة والتنظيفات والصيانة جرت خارج إطار قانون الخصخصة، ما أدى إلى خسارة العديد من البحرينيين لوظائفهم بعد تحويلها إلى مقاولين.
وأضاف أن الحكومة "تدّعي خفض نفقات العمالة، بينما في الحقيقة خفّضت أعداد العمالة الوطنية"، مؤكدًا أن بقاء الدولة كمساهم في الشركات الكبرى يحافظ على نسب البحرنة.
واستعرض تحفظ الحكومة على مشروع قانون نيابي يقضي بفرض نسبة بحرنة لا تقل عن 50% في عقود التخصيص، معتبرةً أن ذلك يتعارض مع مبدأ "الحرية الاقتصادية". وانتقد شريف هذا التبرير قائلاً إن "الحكومة تضع الحرية الاقتصادية فوق مبدأ البحرنة".
عيوب قانون الخصخصة
وعدد شريف جملة من العيوب التي تعتري قانون الخصخصة، أبرزها عدم ضمان نسب مرتفعة من البحرنة، وغياب الالتزام بنقل التكنولوجيا وتنمية المهارات المحلية، وعدم تحقق خفض كلفة الخدمات أو تحسين جودتها، وانعدام الشفافية في العقود والبيانات المالية للشركات المشغلة، وأخيرًا غياب الضرائب على الشركات المخصخصة رغم تحقيقها أرباحاً كبيرة.
وأشار إلى أن "مشغل ميناء خليفة"، وهو شركة دنماركية، حقق أرباحاً تعادل 100% من رأس ماله سنويًا واستعاد استثماره 20 مرة دون أن يخضع لأي ضرائب.
تراجع حاد في نسب البحرنة وارتفاع فواتير الكهرباء
وبيّن شريف أن إنشاء الشركة الوطنية للكهرباء والماء لتتولى مهام هيئة الكهرباء والماء يأتي في إطار خطة خصخصة كاملة للقطاع، ما سيؤدي إلى نقل الأصول والموظفين والممتلكات إلى الشركة الجديدة.
وأضاف أن نسبة البحرنة في قطاع الكهرباء والماء انخفضت من 91% إلى نحو 35%، وخسر البحرينيون نحو 1400 وظيفة منذ بدء الخصخصة، متسائلًا عن جدوى خصخصة قطاع تدّعي الحكومة أنها خفّضت كلف إنتاج الوحدة فيه من 18 فلسًا إلى 11 فلسًا.
وحذر من أن فاتورة المواطن الذي يستهلك في الشريحة الأولى قد ترتفع من 12.5 دينارًا إلى 134 دينارًا بعد رفع الدعم، مؤكدًا أن الحكومة استنسخت فكرة "حساب المواطن" من النموذج السعودي، الذي استبعد نحو نصف المواطنين من منظومة الدعم.
العجز المالي وذريعة خفض الدعم
انتقد شريف استخدام الحكومة "العجز المزمن" كذريعة لخفض الدعم، مشيرًا إلى أن العجز الحقيقي في الموازنة ناتج عن الإنفاق غير المعلن، والتجنيس السياسي الذي يكلّف أكثر من 200 مليون دينار سنويًا.
وأضاف أن "جزءًا كبيرًا من الدعم يذهب إلى الأثرياء أو غير المواطنين"، مؤكدًا أن معالجة العجز يجب أن تبدأ بفرض ضرائب على الدخل والثروة، ورفع رسوم العمالة الأجنبية، ووقف الإنفاق غير الضروري.
الخصخصة بين التجارب الدولية والمخاطر المحلية
واستعرض شريف تجارب دولية في الخصخصة، مثل بريطانيا التي واجهت ارتفاعًا في أسعار الكهرباء والمياه وتراجعًا في جودة الخدمات، مشيرًا إلى أن هذه القطاعات تمثل احتكارات طبيعية لا تصلح للتنافسية التجارية.
وقال إن "هذه مشاريع تتعلق بالأمن القومي، ولا يجوز تركها في أيدٍ أجنبية، كما حدث في فرنسا التي أعادت عام 2010 تشغيل بعض مرافقها العامة بعد فشل الخصخصة".
الحل: شراكة لا انسحاب
ودعا شريف إلى الخصخصة الجزئية على غرار التجربتين الصينية والألمانية، حيث تبقى الحكومة شريكًا رئيسيًا في القرار لضمان الأمن الاقتصادي واستدامة الخدمات.
وقال إن المستثمرين في عقود طويلة الأجل "يؤجلون الصيانة حتى نهاية العقد، ما قد يؤدي لانهيار الشبكة"، محذرًا من أن المستثمر الأجنبي "هو أول من يغادر عند الأزمات".
مخاوف وهواجس
أقرّ شريف بأن توجيه الدعم لمستحقيه هدف مشروع من منظور العدالة الاجتماعية، لكنه حذر من أن إعادة هندسة الدعم قد تكون مدخلاً لإلغائه تدريجياً، ما يهدد مستويات المعيشة للفئات محدودة الدخل.
وأكد أن "ترشيد الإنفاق يجب أن يبدأ بمكافحة الفساد ووقف الامتيازات الباذخة"، داعيًا إلى فرض ضرائب تصاعدية على الثروة والدخل الكبير، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار الاقتصادي.
أسئلة مفتوحة
واختتم شريف الندوة بمجموعة من الأسئلة التي وصفها بـ"الجوهرية"، منها:
ما هي معايير استحقاق الدعم في برنامج "حساب المواطن"؟
ما نسبة البحرينيين الذين سيُستبعدون من الدعم؟
ما الضمانات بألا تمتد سياسات رفع الدعم إلى المتقاعدين أو السكن؟
وما آليات الحفاظ على الوظائف البحرينية بعد الخصخصة؟
وخلصت الندوة إلى أن سياسة الخصخصة في البحرين باتت توجهاً راسخاً لدى الدولة، لكنها تثير مخاوف اقتصادية واجتماعية وأمنية واسعة، في ظل غياب الشفافية والمساءلة وازدياد الأعباء على المواطنين.
- 2025-10-23منظمات حقوقية تطالب هولندا بالتحرك العاجل للإفراج عن المعتقل البحريني علي الشويخ
- 2025-10-13آية الله قاسم: الشعب يطالب بإطلاق سراح أبنائه بعيداً عن أيّ منّة وبلا أيّ تنازل عن المطالبة وحقوق المواطنة
- 2025-10-05صمت رسمي بحريني على قرصنة إسرائيلية ضد أسطول الصمود واختطاف ناشطَين بحرينيين
- 2025-09-26الشعلة يدعو لتحصين الجبهة الداخلية بعد العدوان على قطر: الأمن لا يُبنى فقط بالصواريخ والطائرات بل بالعدل والكرامة والمشاركة السياسية الواسعة
- 2025-09-18منظمة سلام تدشّن تقريراً حول المنع من السفر كعقوبة خارج إطار القضاء في البحرين