مرآة البحرين: احتفلت دوائر النظام في البحرين بإقرار مجلس الشورى قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني الجديد بعد عقديْن من الانتظار كما جاء في العبارات المُستخدمة في الصحف المرضيّ عنها داخل المملكة، أي بعد دراسته 23 عامًا في البرلمان، على أن يُرفع الى الملك للتصديق عليه.

ما أُعلن يعني أن القانون الجديد سيحلّ محل المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل مفصلي في مسار العمل الإعلامي بمملكة البحرين، بحسب إعلام الدولة.

يقول من وراء القانون إن من أبرز مبررات إصدار مشروع القانون الجديد إلغاء عقوبة السجن في جميع النصوص العقابية المرتبطة بالعمل الصحفي والإعلامي، والاكتفاء بعقوبة الغرامة الجنائية، دعمًا لممارسة حرية الرأي والتعبير بمسؤولية في إطار قانوني متزّن وآمن.

القانون الجديد ينصّ على أن "أيّ تجاوز يخرج عن حدود حرية الرأي ويمسّ بالنظام العام أو بحقوق الغير، يظلّ خاضعًا للقواعد العامة في قانون العقوبات، بما يحافظ على التوازن بين حرية التعبير وسيادة القانون".

طبعًا قراءة عنوان "البحرين تقرّ قانونًا جديدًا للصحافة" أخّاذٌ ويشدّ كلّ مُهتمّ بهذا الشأن. لكن الواقع ينسف كلّ منطق الإنجاز الذي يُسوّق له الحُكم من خلال هذا القانون. المشهد السريالي لا يُفارق البحرين التي تؤكد كلّ المنظمات الحقوقية والدولية أن صحافييها وإعلامييها لا يتمتّعون بحرية للعمل والكتابة، كما يُقال وتدعي السلطة.

المُضحك أن من أعدّ القانون وزراء سابقون ونواب حاليون وجمعية الصحافيين البحرينية، أي أصحاب اللون الواحد، الولاء الواحد، التعظيم الواحد للحاكم الأوحد. الجمعية نفسها التي غابت عنها المنافسة الفعلية بين الأعضاء في ظلّ التزكية المُعلنة التي شهدتها مؤخرًا، ما يتناقض مع مبدأ الديمقراطية الحقيقية. المسرحية اكتملت مع استدعاء رؤساء التحرير وممثلي الصحافة ووسائل الإعلام، لحضور الجلسة، والمشاركة في الإنجاز الذي ترسمه الدولة.

المنظمات الدولية شاهدة على تقييد صحافة البحرين

خطوة مهمة، عصرٌ إعلامي أكثر نضجًا، محطة مفصلية للصحافة، القانون يعزز حرية التعبير، يوم تاريخي للبحرين، القانون من أبرز صور الديمقراطية البحرينية، كلّ هذه العبارات اعتُمدت كعناوين لتعظيم القانون، الذي يؤكد عددٌ من المنظمات الحقوقية والدولية أن البحرين ليست دولة حرة من حيث الحقوق السياسية والإعلام فيها ليس حرًا، كما ورد في تقرير لمنظمة Freedom House عام 2023.

العديد من المنظمات قيّمت وضع الصحافة البحرينية بأنها تفتقد الى الحرية والاستقلالية، وفيما يلي أبرزها وأحدثها:

- في تقرير لـ Reporters Without Borders لعام 2024، احتلّت البحرين المرتبة 173 من أصل 180 دولة، بمجموع نقاط 23.21، ما يعكس وضعًا سيّئًا جدًا لحرّية الصحافة فيها.

- تقرير Freedom House لعام 2025 صنّف البحرين بأنها "غير حرة" (Not Free) من حيث الحريات السياسية والمدنية، وذكر تراجعًا منهجيًا في الحقوق السياسية والحريات المدنية داخل المملكة.

- تقرير حرية الإنترنت (Freedom on the Net 2024) أشار إلى أن البحرين سجّلت ضعفًا في "العقبات أمام الوصول" و"حدود المحتوى" و"انتهاكات حقوق المستخدمين"، ما يعكس بيئة إنترنت مضغوطة تؤثر على الصحافة الرقمية.

- في منتصف 2025، طالبت مجموعة من المنظمات، من ضمنها Committee to Protect Journalists (CPJ)، البحرين بوقف تعديل مقترح لقانون الصحافة والطباعة والإعلام الذي اعتُبر "قمعيًا".

- تقارير حقوق الإنسان المستقلّة مثل Bahrain Center for Human Rights (BCHR) وصفت "انهيار الصحافة المستقلة" في البحرين، واعتبرت أن السلطة تستخدم القوانين والملاحقات القضائية والرقابة للحدّ من حرية الإعلام.

حظر الصحافة المستقلة ثابت

إضافة إلى هذا، كيف يستوي "هذا الإنجاز" في ظلّ احتكار الدولة وحاشيتها من الأولاد والمقرّبين الصحف الأربعة الحالية في البلد. هذا فضلًا عن المنع المستمرّ لأيّة إمكانية بتملّك من هم خارج مشهد النظام الحاكم، للقنوات الفضائية أو الإذاعات الخاصة، وعرقلة أيّة تسهيلات للصحافة الحزبية.

بحسب العارفين والمُطّلعين على تفاصيل القانون الوليد حديثًا، يتضمّن النصّ تشديد العقوبات على الصحفيين وليس تراخيًا معها، إلى جانب رقابة مُسبقة مُغلّفة بغطاء قانوني مع استمرار استخدام قوانين الجرائم الإلكترونية لمُحاكمة المُعارضين.

وعليه، أين التغيير وأين التحوّل المفصلي الذي يُروّج له إعلام البلاط من خلال هذا الاختراع الذي يُسمّى قانون الصحافة الجديد؟ عقيدة الدولة في البحرين ومؤسّساتها الرسمية لا تنسجم مع مبدأ الحرية. هي سلطة تحكم بالعصا الأمنية وتستعدي الإعلام المستقلّ على أراضيها.