الأمير أندرو وغسل سمعة نظام البحرين

مرآة البحرين - 2025-10-28 - 7:30 م

‎ترجمة مرآة البحرين
باتريك كوكبيرن

في بريطانيا، أصبح الأمير أندرو رمزًا للمبالغة الأرستقراطية والترف الفاحش، لكنه في دول الخليج النفطية يُعرف أكثر بأنه الرجل الذي ساهم في تلميع صورة أحد أكثر الأنظمة قسوة واستبدادًا في المنطقة.

الضجة الإعلامية التي أحاطت بالأمير أندرو ركزت في الأساس على صداقته بجيفري إبستين وعلاقته بفيرجينيا جوفري، لكن دوره في توطيد علاقته بالنظام الملكي في البحرين ومنحه غطاءً من الاحترام والشرعية على مدى أكثر من عشرين عامًا - رغم سجله المروع في تعذيب وسجن النشطاء المطالبين بالديمقراطية - يُعدّ عملًا لا يقلّ انحطاطًا أخلاقيًا، وإن كان من نوع مختلف، عن كل ما ارتكبه في قصور إبستين في نيويورك وميامي ومنطقة الكاريبي.


السمّ والسخرية
يقول الكاتب إنه أدرك تمامًا مزيج السمية والسخف في شخصية الأمير أندرو أثناء تغطيته لأحداث البحرين عقب الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية التي قمعتها الحكومة بوحشية عام 2011.

حتى شخص متمحور حول ذاته مثل الأمير أندرو لا بد أنه سمع عن تلك الأحداث العنيفة التي تناولتها وسائل الإعلام الدولية في بلد كان يزوره بانتظام. ففي مارس/آذار 2011، سحق النظام الملكي البحريني نسخته الخاصة من "الربيع العربي" بقسوة مفرطة، حيث تم تعذيب كل من ارتبط بالاحتجاجات.
وقد أُجبر نحو 47 طبيبًا وممرضًا في مستشفى العاصمة المنامة، ممن عالجوا المتظاهرين الجرحى، على الوقوف لأيام بلا نوم لانتزاع اعترافات كاذبة بأنهم سعوا لقلب نظام الحكم.

تقرير لجنة التحقيق المستقلة في البحرين، التي أنشأتها الحكومة تحت ضغط خارجي، وثّق ما لا يقل عن 18 أسلوب تعذيب مختلف تعرّض لها المعتقلون، من بينها الصعق الكهربائي، والضرب على باطن القدمين بخراطيم مطاطية، والحرمان من النوم، والتهديد بالاغتصاب.


الاعتقالات الجماعية وهدم المساجد
كانت التظاهرات الضخمة المطالبة بالحقوق الديمقراطية تقودها الأغلبية الشيعية ضد الأسرة الحاكمة السنية (آل خليفة)، التي تحكم البحرين منذ القرن الثامن عشر.
وبالإضافة إلى الاعتقالات الواسعة، جرى هدم نحو 30 مسجدًا وموقعًا دينيًا شيعيًا، من بينها موقع يقال إنه يعود إلى 400 عام، بذريعة "عدم وجود تراخيص بناء".

في ذلك الوقت، أجرى الكاتب مقابلة مع الشاعرة البحرينية الشابة آيات القرمزي (20 عامًا)، التي اعتُقلت بعد إلقائها قصيدة احتجاجية في ميدان اللؤلؤة - مركز الاعتصامات في المنامة - قبل أن يهدمه النظام لاحقًا.
وجاء في قصيدتها الموجهة إلى الملك حمد بن عيسى آل خليفة:
"نحن شعب يرفض الذل ويغتال التعاسة"

روت القرمزي للكاتب أنها ضُربت على وجهها بأسلاك كهربائية، واحتُجزت في زنزانة ضيقة متجمدة، وأُجبرت على تنظيف المراحيض بيديها العاريتين. كما هددها المحققون مرارًا بالاغتصاب بينما كانوا يضربونها على رأسها وجسدها حتى فقدت وعيها.
أُفرج عنها لاحقًا بعد حملة ضغط دولية، لكنها ظلت منذ ذلك الحين بعيدة عن النشاط السياسي.


تلميع النظام
كان القمع في البحرين فاضحًا لدرجة أن حكّامها وجدوا قلةً من المدافعين عنهم في العالم، لكن الكاتب لاحظ أن الأمير أندرو أشاد علنًا بالبحرين واصفًا إياها بأنها "منارة للتسامح الديني والحرية".
فخلال زيارة عام 2014، قال:
"أعتقد أن ما يحدث في البحرين مصدر أمل لكثير من الناس في العالم، ومصدر فخر للبحرينيين."


القمع مستمر
لكن الحقيقة، كما يوضح سيد أحمد الوداعي مدير المناصرة في "معهد البحرين للحقوق والديمقراطية" في لندن، أن القمع لم يتوقف أبدًا.
ويقول: "قادة احتجاجات 2011 ما زالوا في السجن، إلى جانب 300 سجين سياسي آخر، و12 شخصًا محكومًا بالإعدام".
ويضيف أن العفو الملكي الذي شمل 1500 سجين العام الماضي ضمّ نحو 600 سجين سياسي فقط. أما منظمة "هيومن رايتس ووتش" فتذكر أرقامًا أعلى للمفرج عنهم.

منذ عام 2002 على الأقل، كان الأمير أندرو يزور البحرين بانتظام، سواء في زيارات خاصة أو بصفته ممثلًا تجاريًا لبريطانيا، دون أن يُظهر أي حرج من ارتباطه بنظام يحمل هذا السجل الأسود في حقوق الإنسان.
وفي عام 2018، أثناء شغله منصب مستشار جامعة هادرسفيلد (قبل أن يستقيل لاحقًا)، افتتح برنامجًا تدريبيًا في "الأكاديمية الملكية للشرطة في البحرين"، وهو مكان يقول المعتقلون إنهم تعرضوا فيه للتعذيب بالصعق والضرب والاعتداء الجنسي وتعليقهم من أذرعهم.


غطرسة فاضحة
تتوفر تفاصيل كثيرة عن زيارات الأمير أندرو المتكررة إلى البحرين بفضل سيمون ويلسون، نائب السفير البريطاني هناك بين عامي 2001 و2005، الذي كتب بعد تقاعده مقالًا لاذعًا في صحيفة ديلي ميل عام 2010 يصف فيه مدى سوء انطباعه عن الأمير، الذي كان الدبلوماسيون البريطانيون يلقبونه ساخرين بـ "صاحب السخافة السامية" (HBH: His Buffoon Highness).

ومن أغرب المواقف التي يتذكرها الكاتب أن الأمير أصرّ خلال زيارة عام 2002 على أن يحمل خادمه لوح كيّ طوله ستة أقدام إلى الفندق الفاخر الذي نزل فيه، حتى يتم كيّ بنطاله بالشكل المثالي. وقد سبّب هذا اللوح أزمة لطاقم السفارة لأنه لم يكن يدخل بسهولة إلى السيارة أو عبر الأبواب الدوّارة للفندق.

غضب ويلسون من تصرفات الأمير لم يتراجع مع مرور الزمن. ففي مقابلة مع شبكة ITV عام 2023، قال إن الفريق البريطاني كان يتلقى مسبقًا قائمة مفصّلة بمزاج الأمير ومطالبه الغريبة، مضيفًا:
"كان يشرب الماء فقط، ويجب أن يكون بدرجة حرارة الغرفة دون ثلج... وكان يأتي دائمًا بوفد ضخم يضم سكرتيرًا خاصًا ومرافقًا وخادمًا وكاتبة ومستشارًا تجاريًا".
وفي إحدى المآدب الرسمية، رفض إلقاء كلمة أعدّها له السفير لتشجيع التجارة، وبدلًا من ذلك طبطب على رأس السفير البريطاني وطلب منه أن يتحدث هو!


ممثل تجاري فاشل وعلاقة مريبة
حتى عام 2011، كان الأمير أندرو يزور البحرين بصفته الممثل الخاص للتجارة والاستثمار في الحكومة البريطانية، لكن أداءه - بحسب ويلسون - كان إما مهملًا أو مضرًا بالمصالح البريطانية.
ورغم القمع الدموي الذي مارسه النظام البحريني خلال وبعد الربيع العربي، ظل الأمير متحمسًا بشدة لآل خليفة، في انسجام تام مع السياسة الغربية العامة التي تميل لدعم الأنظمة العربية الاستبدادية في الخليج.

ومع تدهور سمعته في بريطانيا إلى حدّ نبذه اجتماعيًا، تعمّق ولع الأمير أندرو بالأنظمة الخليجية. وتشير تقارير إلى أنه يخبر أصدقاءه مرارًا بأنه قد ينتقل للعيش بشكل دائم في البحرين أو الإمارات، حيث يتوقع أن يحظى بالترحيب من بعض أفراد الأسر الحاكمة هناك.
لكن ذلك الترحيب، كما يقول الوداعي، لن يكون من الشعب البحريني نفسه:
"سيكون أمرًا مشينًا أن يستضيفه نظام ديكتاتوري. لو كان القرار بيد الشعب في البحرين، لما أراد أحدٌ منهم وجوده هنا".

‏https://apple.news/AR81jm2V2QLC0-PZ6VWLeMQ