البحرين وإعادة إعمار غزة: حين تُقايض الأنظمة الخليجية الدم الفلسطيني بشرعية إسرائيلية؟

محمد البناء - 2025-10-28 - 5:53 م

مرآة البحرين: في 16 أكتوبر 2025، نشرت صحيفة ""إسرائيل هيوم" تقريرًا يكشف أن السعودية، الإمارات، والبحرين أبلغت الإدارة الأمريكية رفضها المشاركة في إعادة إعمار غزة ما لم يتم تفكيك سلاح حماس. هذا الموقف، وإن بدا للوهلة الأولى وكأنه محاولة لضبط شروط الإعمار، يكشف في جوهره عن تحوّل خطير في الخطاب الخليجي: من دعم القضية الفلسطينية إلى تبني سردية أمنية إسرائيلية بالكامل.

كمقاوم بحريني لا يمكنني قراءة هذا الخبر إلا كجزء من مشروع أوسع، مشروع تطبيع لا يكتفي بالصور والاتفاقيات، بل يسعى إلى إعادة تشكيل الوعي السياسي الخليجي، ليصبح الفلسطيني المقاوم ""عقبة"، وسلاحه ""تهديدًا"، ودمه "قابلًا للمقايضة"".؟؟

من دعم المقاومة إلى دعم شروط الاحتلال؟
لطالما كانت البحرين، رغم صغر حجمها، منبرًا شعبيًا داعمًا لفلسطين. مظاهرات، قصائد، وبالطبع في مضامين خطب الجمعة. لكن منذ اتفاقيات أبراهام، بدأنا نشهد انقلابًا في الخطاب الرسمي. لم يعد الحديث عن الاحتلال، بل عن "الفرص"، "السلام"، و"الاستقرار". والآن، في لحظة دموية تمر بها غزة، تختار حكومة البحرين أن تربط الإعمار بتفكيك المقاومة، وكأنها تقول: لا حياة لغزة إلا إذا ماتت حماس.!

هذا ليس موقفًا إنسانيًا، بل موقف أمني بامتياز. البحرين، التي لا تملك جيشًا مستقلًا ولا قرارًا سياديًا في ملفات كبرى، تتحدث بلغة إسرائيلية صرفة: "لا إعمار دون نزع السلاح". وكأنها صارت ناطقة باسم تل أبيب، لا باسم شعبها الذي لا يزال يرفع رايات فلسطين في الأزقة والشوارع.

الإعمار كأداة للهيمنة؟
إعادة الإعمار ليست مجرد عملية هندسية، بل مشروع سياسي. من يموّل، يقرر. ومن يقرر، يفرض شروطه. حين تشترط البحرين تفكيك سلاح حماس مقابل المساهمة في الإعمار، فهي لا تمارس دورًا إنسانيًا، بل تفاوض على مستقبل غزة السياسي. وهذا بحد ذاته خيانة مزدوجة: خيانة للدم الفلسطيني، وخيانة للذاكرة البحرينية التي لطالما اعتبرت المقاومة شرفًا لا عبئًا.
هل يحق للبحرين، التي لم تُقصف يومًا، أن تُملي على غزة كيف تعيش؟ هل يحق لنظام لم ينتخبه شعبه، أن يقرر من يحكم غزة؟ هذه الأسئلة ليست عاطفية، بل جوهرية. لأن من يربط المساعدات بالشروط الأمنية، لا يختلف عن من يربط الطعام بالولاء.

التطبيع كإعادة هندسة للضمير
ما يحدث ليس مجرد موقف سياسي، بل إعادة هندسة للضمير الخليجي. البحرين، التي كانت تُدرّس القضية الفلسطينية في مناهجها، صارت اليوم تعتبر المقاومة "عقبة أمام التنمية". هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل من مشروع تطبيع خياني يسعى إلى تحويل إسرائيل من كيان استعماري إلى شريك تنموي!
لكننا نعرف، كمعارضين، أن هذا الخطاب لا يعكس ضمير الشعب، بل ضمير السلطة. السلطة التي ترى في إسرائيل حليفًا ضد الداخل، لا ضد الاحتلال. السلطة التي تخشى من عدوى المقاومة أكثر من عدوان الاحتلال.

في مواجهة هذا الانحدار
كمعارض بحريني، أرفض أن يُستخدم اسم بلادي في تبرير حصار غزة. أرفض أن يُقايض الإعمار بنزع السلاح. وأرفض أن يُختزل الفلسطيني في صورة الضحية التي يجب أن تُشفى فقط إذا تخلّت عن كرامتها.
نحن لا نريد إعمارًا مشروطًا، بل حرية غير مشروطة. لا نريد مشاريع تنموية تُدار من تل أبيب، بل مقاومة تُدار من قلب غزة. وإذا كانت البحرين الرسمية قد اختارت أن تكون جزءًا من المشروع الإسرائيلي، فإن البحرين الشعبية لا تزال ترفض، تقاوم، وتكتب.
لأن غزة ليست ملفًا، بل مرآة. ومن يقف ضدها، يقف ضد نفسه.