هل وقعت البحرين في فخّ صندوق النقد الدولي؟

اقتصاديون يحذرون من تطبيق توصيات الصندوق دون مراعاة احتياجات المواطن البحريني

2025-10-23 - 8:09 م

مرآة البحرين: في معرض إشادته وتأييده لتوجيه الحكومة الدعم المباشر لمستحقيه في الخدمات الأساسية للمواطنين، كان لافتاً في حديث النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبد النبي سلمان حديثه عن حلول بحرينية خالصة ولازمة، تأخذ في الاعتبار احتياجات البحرينيين المعيشية والتنموية، بعيداً عن تطبيق "مقترحات صندوق النقد والبنك الدوليين".

ويُجمع أهل الاقتصاد في البحرين على أن الأوضاع "تعبانة". وإلى الآن، ما يُطرح من جانب السلطة ليس مُطمئناً ولا يُرضي الناس، فبين الدعم الذي تقدّمه الحكومة لذوي الدخل المحدود من جهة، وتزايد الرسوم والضرائب من جهة أخرى، لا تتوقّف معاناة المواطنين.

بحسب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب أحمد قراطة، التعافي الاقتصادي لا يسير بالوتيرة المُعلنة، والدَين العام يتصاعد، والأعباء الحكومية تستمرّ مع ارتفاع الأسعار وتآكل الرواتب.

هذا يعني أن دائرة الفقر تتسّع ومعاناة الأسر من الديون تكبر أكثر فأكثر، فيما تحذّر تقارير المؤسسات المالية من مستقبل قاتم إذا لم تُتّخذ إصلاحات حقيقية.

عند قراءة كلام عبد النبي سلمان، يُطرح سؤالٌ حول ماهية مقترحات كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟

في حديثها لـ "مرآة البحرين"، تُشير مصادر اقتصادية محلية إلى أن صندوق النقد الدولي يرى أن البحرين أحرزت بعض التقدم، لكن التحدي الأكبر هو التحدي المالي والهيكلي: الدين العام مرتفع جداً، والإيرادات غير النفطية ما تزال بحاجة لتعزيز، والتحوّلات نحو اقتصاد متنوع ما تزال في بدايتها.

وفق المصادر الاقتصادية، تحقيق استدامة مالية وحصانة اقتصادية يتطلّب خطوات واضحة ومستمرة، ليس فقط عبر ضبط الميزانية، بل من خلال إجراء تغييرات هيكلية في الاقتصاد والحوكمة. عادةً ما يفرض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي شروطاً على الدول المُتعثّرة اقتصادياً في حال الإقراض، ومنها تحرير القطاعات الحيوية كالكهرباء والماء والصحة وتحويلها إلى القطاع الخاص، أي أن دور الدولة يكون الإشراف فقط بينما تتخلّى عن إدارة القطاعات، بحيث تفتح المجال لخصخصة القطاعات وتخفّف الشروط في الخصخصة حتى تفتح المجال للشركات الأجنبية للدخول للبلاد.

الحكومة من جانبها أعلنت نهاية سبتمبر الماضي بالفعل نيتها خصخصة قطاع الكهرباء والماء بالكامل، ففي الفترة القريبة القادمة سيتحوّل القطاع إلى شركة، الأمر الذي أثار مخاوف من رفع الدعم عن الكهرباء والماء، لأن الدولة تشتري الوحدة من الشركة بـ 750 فلسًا، وتبيعها على المواطن مدعومة بـ25 فلسًا للفئة الأولى بالنسبة للماء، كما تشتري الوحدة بـ 29 فلسًا وتبيعها على المواطن بـ3 فلوس بالنسبة للفئة الأولى، وتزيد تكلفة البيع كلما زاد الاستهلاك.

وتُبيّن المصادر أنه في حال تحرير القطاع، من الوارد جداً أن ترفع الدولة الدعم بشكل تدريجي، خصوصاً وأن خطط تحقيق فوائض في الميزانية العامة مدرجة على البرنامج الحكومي منذ يناير العام الجاري، في ظل غياب أي خطاب تطميني، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن رفع الدعم سيزيد من المتوسط الشهري الإجمالي للفواتير 12 ضعفاً.

وعلى الصعيد نفسه، تشرح المصادر أن شروط صندوق النقد عادة ما تشدد على رفع الضرائب على مستوى الدخل، ما يعني ارتفاع القيمة المضافة من 10% إلى 15%، وهي خطط حكومية جاهزة كذلك وتتربص بالمواطنين في أي لحظة.

 

هل أدت توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين لتعميق أزمات الدول المتعثرة؟

في مصر واليونان مثلاً، أدت سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر، والإجابة على السؤال تتطلب فهم الآلية العميقة التي تعمل بها كل من المؤسستين، وما يسمى بـ"وصفات الإصلاح الاقتصادي" التي يفرضانها على الدول المتعثرة.

كلا المؤسستين، ولحلحلة الأزمات الاقتصادية للدول، تفرضان شروطاً قاسية تُعرف بـ"برامج التكيّف الهيكلي"، وهي عبارة عن حزمة من الإجراءات تشمل خفض الإنفاق الحكومي (نتيجته تقليل أو إنهاء دعم السلع والخدمات كالوقود والخبز والكهرباء والماء)، وتحرير الأسعار وسعر الصرف (أي ترك السوق يحدد الأسعار بحرية، وغالباً يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في الأسعار)، وخصخصة مؤسسات الدولة (بيع الشركات والمشاريع العامة إلى القطاع الخاص، وغالباً ما تتم لمستثمرين أجانب)، وكذلك فتح الأسواق أمام الاستيراد والاستثمار الأجنبي بشكل مطلق (وهو ما يزيل الحماية عن الصناعات الوطنية)، ورفع الضرائب غير المباشرة (مثل ضريبة القيمة المضافة) بدلاً من الضرائب على الثروة والدخل المرتفع.

لكن الملاحظ في هذه السياسات أنها تؤدي إلى مزيد من الانهيار بدلاً من الإصلاح، لأنها بالنتيجة تتدحرج بالأوضاع إلى انكماش اقتصادي مفاجئ، فالحكومة عندما تُخفّض انفاقها وتُقلَّص الأجور والدعم، ينخفض الطلب المحلي (أي قدرة الناس على الشراء)، فتنكمش الأسواق وتُغلق المصانع وتزداد البطالة.

إلى جانب ذلك، يؤدي تحرير الأسعار إلى زيادة التضخم في أسعار السلع، وبشكل لا يتوافق مع رواتب الموظفين، ولهذا تتضرر الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

بيع أصول الدولة (الاتصالات، الكهرباء، الموانئ...) تحت شعار "الكفاءة"، يجعل الأرباح تُحوَّل إلى الخارج بدل أن تبقى في الداخل، وبالتالي يُستنزف الاقتصاد الوطني ويفقد السيطرة على موارده الأساسية.

والمفارقة أن الهدف المعلن لمثل هذه البرامج هو تقليص الديون، لكن الواقع أن هذه البرامج تؤدي إلى ركود اقتصادي وانخفاض الإيرادات الحكومية، مما يدفع الدولة إلى الاقتراض مجدداً لتغطية العجز، فتدخل في حلقة مفرغة لا تنتهي من الديون.

 

إذن، لماذا تستمر هذه الوصفات رغم فشلها؟

لأنّها تحقق مصالح الدول الكبرى والمؤسسات المالية العالمية، وتُبقي الدول النامية تابعة اقتصادياً وسياسياً، وتفتح أسواقها أمام رأس المال الأجنبي، وتضمن سداد الديون مع فوائدها.

إذًا، برامج الصندوق والبنك الدولي لا تهدف فعلياً إلى تنمية الاقتصاد المحلي، بل هي أشبه بمصيدة لضمان استقرار النظام المالي الدولي وسداد الديون للدائنين.
ولهذا، فإنها تُطبّق سياسات "مالية منضبطة" على الورق، لكنها تؤدي عملياً إلى انكماش الإنتاج، وزيادة الفقر، واحتكار الثروة.