مؤتمر "حوار المنامة" : عندما يصبح الحوار صناعة سياحية

2025-10-21 - 7:21 م
مرآة البحرين : في كل خريف، تتحول البحرين الصغيرة إلى كعبة المنافقين ومزار الطغاة المتحضرين. يأتون من كل حدب وصوب، ببدلاتهم الأنيقة وابتساماتهم المصطنعة، ليحتفلوا بـ"مؤتمر حوار المنامة"، هذا العنوان الساخر الذي يجعل حتى شكسبير يتقلب في قبره من هول المفارقة.
"حوار المنامة" .. وكأنها تسمية لصحراء قاحلة بـ"حديقة مائية". تبجح بحوار في بلد يُسجن فيه المعارضون لمجرد كتابة تغريدة، يُقام مؤتمر للحديث عن الحوار والتسامح بينما تُمنع أكبر صلاة جمعة لمكون إجتماعي كبير، إنها كوميديا الأخطاء على الطريقة الخليجية.
النفاق الدولي عازفو الكمان الحزين!
تخيل معي هذا المشهد الكوميدي: في الطابق الأرضي من فندق فاخر، يجلس وزراء خارجية ودفاع من دول ""ديمقراطية"، يتحدثون بحماس عن قيم الحوار والتسامح. وفي نفس اللحظة، وفي الطابق السفلي (حرفياً ومجازياً)، يُعذب معتقل رأي بحريني لأنه طالب بالإصلاح.
هؤلاء السياسيون العالميون، الذين ينادون بحقوق الإنسان في بلدانهم، يتحولون إلى صم وعمي وبكم عندما يطأون أرض البحرين. يا ترى، هل يوقعون إقراراً عند الدخول بأن ضمائرهم خارج الخدمة مؤقتاً لأغراض فنية؟
سيمفونية الكذب المنظم
كل جلسة في المؤتمر هي عبارة عن سيمفونية من الكذب المُركب والنفاق المُقنن. عندما يتحدث ممثل أمريكا عن "دعم الديمقراطية في المنطقة" وهو جالس بجوار وزير داخلية البحرين الذي يدير ماكينة القمع، تشعر وكأنك تشاهد فيلماً كوميدياً من إنتاج أوسكار وايلد ومونتي بايثون معاً!
سياحة الطغاة
البحرين اكتشفت صناعة جديدة: سياحة الطغاة المهذبين. يأتي الديكتاتور من بلده، يُقيم في جناح فندقي بمئة ألف دولار لليلة، يُلقي خطاباً عن السلام، يلتقط صوراً تذكارية، ثم يعود إلى بلده وفي جيبه "شهادة براءة دولية" من البحرين!
قاموس المصطلحات المقلوبة
في مؤتمر حوار المنامة، الكلمات لها معان خاصة جداً:
"الحوار" : سردية مُتقنة يُلقيها النظام على مسامع دولية صاغية.
"الشراكة" : أنتم تصفقون، ونحن نقرر
"الإصلاح" : إعادة تصنيع نفس السياسات مع تغيير الأسماء.
"المعارضة البناءة" : تلك المعارضة التي نختارها نحن ونكتب لها النص.
"حقوق الإنسان" : حقوق بعض الناس، وليس كل الناس.
"الأمن والاستقرار" : أمن واستقرار الحكام على كراسيهم!
ترجمة فورية من البحرينية إلى العربية
عندما يقول وزير الخارجية البحريني: "نحن نرحب بالحوار مع جميع الأطراف"، فأن الترجمة الحقيقية هي: "نحن نرحب بالحوار مع الأطراف التي نسمح لها بالحديث".
عندما يقول: "البحرين نموذج للتعايش"، فإن ترجمتها : "البحرين نموذج لتعايش الحكام مع مصالحهم".
الممثلون الرئيسيون
النظام البحريني: البطل المأساوي الذي يؤمن فعلاً أن كذباته ستصبح حقائق إذا كررها ألف مرة.
الضيوف الدوليون: جوقة المستكبرين الذين يعلقون على الأحداث ويتجاهلونها في نفس الوقت.
المعارضة الغائبة : الشخصية الأهم في المسرحية، والتي لا تظهر أبداً على المسرح.
الشعب البحريني: الجمهور الذي يُجبر على مشاهدة العرض دون الحق في التصفيق أو الصفير.
حوار من وراء القضبان
المفارقة الأكبر في "مؤتمر الحوار" أن أفضل الحوارات تجري خارجه في السجون حيث تدور نقاشات فلسفية عميقة حول مستقبل البحرين. المعتقلون السياسيون -من المفكرين والأكاديميين والحقوقيين- يخوضون حوارات حقيقية عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بينما في المؤتمر يُتحدثُ عن "أمن المنطقة" وكأنها لعبة شطرنج يُحرِك قطعها اللاعبون الكبار.
الفصل الخامس: كرنفال الأكاذيب
في كل عام يتكرر نفس السيناريو، ذات الوجوه، مع خطابات مُعلبة ووعود مؤجلة. المؤتمر أصبح مثل مسلسل رديء يُعاد بثه كل موسم مع تغيير بسيط في الديكور.
والأدهى من ذلك، أن منظمي المؤتمر يأخذونه على محمل الجد! يستعدون له شهوراً، ينفقون عليه الملايين، يستقدمون خبراء في "إدارة الصورة" من شركات علاقات عامة عالمية. كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل إقناع العالم أن البحرين ليست كما يراها العالم.
دليل السائح السياسي
إذا كنت سياسياً دولياً وتريد زيارة البحرين لحضور المؤتمر، إليك دليل مفيد:
1) ما يُنصح بتجنبه :
- القرى (حيث يعيش 70% من الشعب وتخرج التظاهرات.
- السجون (حيث توجد المعارضة الحقيقية).
2) متحف الديمقراطية المفقودة!
لو أرادت البحرين أن تكون صادقة، لأقامت متحفاً بجوار مكان انعقاد المؤتمر اسمه ""متحف الديمقراطية المفقودة"، ويمكن أن يَعرض:
- آخر برلمان منتخب حقيقياً (1973م)
- صور دوار اللؤلؤ قبل الهدم
- تسجيلات صوتية ومرئية لشعارات المتظاهرين
- قائمة بأسماء المعتقلين السياسيين
في نهاية كل مؤتمر، يُوزع "بيان ختامي" ، يتحدث عن "ضرورة تعزيز الحوار" و"أهمية احترام حقوق الإنسان" و"الحاجة لإشراك جميع الأطراف". نص البيان يُحفر على ألواح من الذهب ويُحفظ في خزائن منسية.
المؤتمر الذي نحلم به
نحن كبحرينيين نحلم بمؤتمر حقيقي، مؤتمر يُعقد في مكان مفتوح حيث يمكن للجميع الحضور. مؤتمر يستمع للمعارض قبل المؤيد، للمظلوم قبل الظالم، للمعتقل قبل السجان.
الذاكرة المحذوفة ومتلازمة النسيان الانتقائي
أظرف ما في مؤتمر حوار المنامة أن المشاركين يصابون بمتلازمة طبية نادرة تُسمى "النسيان الدبلوماسي الانتقائي". يتذكرون تماماً أرقام صادرات النفط وإحصائيات النمو الاقتصادي، لكنهم ينسون تماماً أرقام المعتقلين والضحايا والمنفيين والمسقطة جنسياتهم !
وزير الخارجية البريطاني يتذكر جيداً تفاصيل اتفاقيات التسلح مع البحرين، لكنه يعاني من "ضبابية الذاكرة" عندما يُسأل عن استخدام الغازات المسيلة للدموع -بريطانية الصنع- ضد المتظاهرين البحرينيين، يا للمصادفة العجيبة!
أرشيف الجرائم المؤرشفة
البحرين لديها أرشيف مذهل من الجرائم الموثقة دولياً: تقارير لجنة تقصي الحقائق، تقارير منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش، الأمم المتحدة. لكن هذا الأرشيف يختفي تماماً أثناء انعقاد المؤتمر! كأنه يتبخر مع بخار البحر.
المضحك المبكي ربما بعض المشاركين في المؤتمر هم أنفسهم من ألّف تلك التقارير! لكنهم يحضرون المؤتمر وكأن شيئاً لم يكن. إنها ظاهرة تستحق الدراسة في أقسام علم النفس تحت عنوان "انفصام الشخصية الدبلوماسية".
معجم المرادفات الدبلوماسية؟
"الحوار البناء" = الاستماع للنظام دون مقاطعة
"الشراكة الاستراتيجية" = أنتم تشترون أسلحتنا، ونحن نغمض أعيننا عن جرائمكم!
"الاستقرار الإقليمي" = بقاء الأنظمة في كراسيها مهما حدث للشعوب.
رسالة إلى العالم
أيها العالم الذي تدعون الحضارة والتقدم، أيها السياسيون الذين تحملون جوائز السلام وحقوق الإنسان، أيها المثقفون الذين تكتبون عن الحرية والكرامة:
عند حضوركم مؤتمر حوار المنامة، تذكروا أن كل كلمة تطلقونها هناك عن"الحوار" تُترجم في الشارع البحريني لمزيد من القمع. كل تحية وتصفيق للنظام البحريني تُترجم مزيد من الاعتقالات التعسفية، كل صورة تذكارية تلتقطونها مع المسؤولين تُترجم لمزيد من اليأس في قلوب المظلومين.
النهاية التي لا تنتهي!
مؤتمر حوار المنامة سيستمر، وسنواته ستتوالى، وضيوفه سيتبدلون، وخطاباته ستُعاد، مع تعديلات طفيفة، لكن الحقيقة البسيطة ستبقى: لا يمكن بناء السلام الحقيقي على أنقاض العدالة، ولا يمكن تحقيق الاستقرار الحقيقي بالقمع والإقصاء.
التاريخ لن يذكر مؤتمر حوار المنامة كمحفل للسلام، بل كشاهد على زمن كان فيه القمع يرتدي بدلة أنيقة ويتحدث بلغة دبلوماسية مهذبة.
- 2025-10-20البحث عن وظيفة في البحرين.. هل تصدق وعود الدولة؟
- 2025-10-19مصدر نقابي مطّلع: «مزحة الوظائف» لن تُحل دون قرار سياسي حقيقي
- 2025-10-19أحكامٌ طويلة وتضييق خانق في السجون.. ألم تشبع السلطة بعد؟
- 2025-10-18كذبة العوائد الاقتصادية في تطبيع البحرين والكيان الصهيوني
- 2025-10-15ملك البحرين يستأنف اليوم التالي باستقبال السفير الصهيوني: ما بعد غزة تطبيعٌ أكثر