الثقة لا تُبنى بالعقوبات الدائمة؛ نحو إلغاء قانون العزل السياسي

سيد يوسف المحافظة - 2025-10-15 - 11:36 م
مرآة البحرين: تُقاس مكانة الدول ورقيّها بمدى تطوّر منظومتها القانونية، وبالقدرة على تطبيق هذه القوانين بعدالة ومساواة على جميع الأفراد دون تمييز أو انتقائية. وفي البحرين، نواجه مفارقة واضحة؛ إذ توجد قوانين إيجابية وحديثة في بعض المجالات، إلا أن تطبيقها يأتي غالباً منقوصاً أو خاضعاً للأمزجة السياسية او يطبق على أفراد دون آخرين، أي عدم تطبيق مبدأ مساواة الجميع أمام القانون. وفي المقابل، ما زالت بعض القوانين المقيِّدة للحريات العامة تنتهك حقوق الإنسان وتُقصي شرائح واسعة من المواطنين والمواطنات من المشاركة في الشأن العام والمشاركة السياسية.
لم يكن مفاجئاً أن تعترض الحكومة على مشروع قانون نيابي يقضي بمنح الأشخاص المحرومين من حقوقهم السياسية حق العضوية في مجالس إدارة الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة في مجالي الشباب والرياضة، وذلك استمراراً في تفعيل «قانون العزل السياسي» الذي يحرم عدداً كبيراً من المواطنين/ات من حقوقهم/ن المدنية والسياسية. اللافت أنّ الحكومة لم تُخفِ رفضها التام لتعديل هذا القانون الجائر، بل بررته بعبارات فضفاضة واسطوانة مكررة تخفي خلفها توجهاً إقصائياً يسعى لتهميش كل من يختلف في الرأي أو المنهج مع الرؤية الرسمية والحكومية ومصادراً لحق السلطة التشريعية في سن تشريعات لتعزيز الحقوق المدنية والسياسية لعموم المواطنين دون تمييز وذلك توافقاً مع مبادئ الدستور.
جاء في تعليق رفض الحكومة على هذا المشروع «يضعف الثقة في قانون الجمعيات ويمسّ المصلحة العامة». وهنا يُطرح سؤال جوهري: من يعرّف المصلحة العامة؟ وهل أعضاء السلطة التشريعية غير مؤهلين لتحديد ومعرفة المصلحة العامة؟! وهل تُبنى المصلحة العامة على حرمان المواطنين/ات من حقوقهم/ن الأساسية والسياسية؟ إن الحقوق السياسية ليست امتيازاً تمنحه السلطة، بل هو حق دستوري أصيل وهي ركن من أركان المواطنة في أي دولة حديثة. إن الإصلاح الشامل لا يبدأ بإقصاء المختلف، بل بالاعتراف به شريكاً في البناء والتنمية داخل الوطن.
وعندما نتحدث عن الثقة، فإن هذا القانون بصيغته الحالية يقوّض الثقة لكن ليس في الجمعيات السياسية والأهلية والأندية الثقافية والرياضية فحسب، بل في مفهوم دولة القانون والمؤسسات. فكيف يمكن بناء ثقة شعبية في حكومة تُقصي معارضيها بقانون جائر مخالف لمبادئ الدستور والمواثيق الحقوقية الدولية التي وقّعت عليها وتحرمهم من حقوقهم المدنية والسياسية، وتحوّل العزل إلى عقوبة دائمة بلا تاريخ انتهاء؟
إن جوهر القانون ليس في وجود النصوص، بل في فلسفته الأخلاقية والاجتماعية القائمة على العدالة وصيانة الحقوق. وهنا نستذكر قول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط:
«يسود الاستبداد في الدولة إذا وُضعت القوانين ونُفذت بصورة تعسفية من قبل السلطة نفسها، وهو يعكس إرادة الشعب فقط بقدر ما يتعامل الحاكم مع إرادة الشعب على إنها إرادته الخاصة».
الدساتير الحديثة بما في ذلك دستور البحرين تنصّ على أن الشعب هو مصدر السلطات. غير أن القيمة الحقيقية لهذا النص تكمن في تطبيقه وتفعيل دور المواطن/ة في جميع المجالات دون تهميش أو إقصاء لأي فئة تحت ذرائع سياسية أو أمنية. فالعدل أساس الحكم، ولم نسمع في التاريخ أن العزل هو أساس الحكم!
الانتقائية والإقصاء لا يصنعان وطناً آمناً ومستقراً؛ بل يحكمان عليه بعدم الاستقرار المستدام. هكذا مواقف للحكومة تقضي على جميع إدعاءاتها للمجتمع الدولي بأنها تملك مشروعاً إصلاحياً سياسياً وحقوقياً! وأتساءل كيف يمكن لخطة وطنية لحقوق الإنسان أن تتجاهل الحق في الحياة والحقوق المدنية والسياسية لعموم المواطنين ثم تُقدَّم على أنها شاملة؟! وكيف تُرفع شعارات العدالة والمساواة في رؤاها وخططها المختلفة ومنها الرؤية الاقتصادية 2030 بينما تُمارس سياسات التهميش ضد غالبية المواطنين من المكونات الشعبية المختلفة كونها معارضة أو تختلف مع سياساتها العامة. إن التسامح الحقيقي لا يُبنى على الانتقاء، بل على مبدأ المساواة أمام الدولة والقانون.
ورغم قتامة هذا الواقع، ما زلت مؤمناً بأن باب الإصلاح في البحرين لا يمكن أن يُغلق أمام من يؤمن بالحوار والشراكة الوطنية. إن المناسبات الوطنية فرص مواتية لتعزيز اللحمة الوطنية وتعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم، وقد شهد تاريخنا قرارات رسمية حولّت هذه المناسبات إلى أعياد وأفراح حقيقية. لذلك، نتطلع بتفاؤل إلى أن يحمل العيد الوطني القادم بداية مرحلة جديدة، مرحلة تُغلق فيها الحقبة الأمنية، وتُستعاد الحريات، وتُفتح السجون، وتثبّت الجنسيات المسقطة، ويعود المهجّرون، ويُلغى كل قانون يعيق التنمية السياسية والحقوقية المستدامة، ويفتح باب الحوار لتحقيق إصلاح سياسي شامل عبر التوافق الوطني.
قد يقال إننا نبالغ في التفاؤل، لكن الحقيقة أن الأمم لا تنهض من دون أمل. فلو خلا هذا العالم من التفاؤل، لما استطاع أحد أن يعيش فيه بكرامة أو يحلم بمستقبل أفضل...
*مستشار حقوقي في منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان
- 2025-10-13حاكمية المنهج الأمني في مفاصل حياة البحرينيين
- 2025-10-11الكهرباء والماء .. مسرحية آل خليفة الجديدة
- 2025-10-06القصر الذي اغتال السياسة في البحرين
- 2025-09-28لماذا حاربت السلطة في البحرين التضامن مع استشهاد شهيد الأمة السيد حسن نصر الله؟
- 2025-09-17البحرين والتطبيع: طعنة في الوجدان العربي وخيانة لا تُغتفر