حاكمية المنهج الأمني في مفاصل حياة البحرينيين  

يوسف ربيع - 2025-10-13 - 3:29 م

مرآة البحرين : حين عاد المشاركون في أسطول الصمود من سلطنة عمان والكويت إلى بلدانهم بعد تعرضهم إلى الاختطاف والسجن من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، تم استقبالهم في بلدانهم استقبالاً شعبياً لائقاً بما يشير إلى تقدير ملحوظ لعملهم الإنساني والقومي.
الصورة معكوسة في البحرين، حيث تم اعتقال واقتياد بعض المشاركين إلى غرف الاستجواب وكأنهم متهمين في تضامنهم ودعمهم إلى غزة وأهلها.

- هيمنة المنهج الأمني
ماتزال قيود المنهج الأمني في البحرين حاكمة، تتدخل في كل القضايا، في القضايا السياسية والحقوقية والمعيشية، بما يعطل الوصول إلى حلول وتوافقات، وما حدث مع الناشط البحريني محمد عبد الله من اعتقال فور عودته للبلاد يكشف مدى تغلغل هذه القيود حتى في القضايا القومية، وكأنما المشاركة في أسطول الصمود في دعم غزة محل اتهام وجرم يستوجب المساءلة.
هذا المنهج يتعامل مع البحرينيين وفق "الكل متهم"، حيث ينبغي معرفة الدوافع التى دفعت هؤلاء الناشطين للمشاركة، وهل لهذه التوجهات تداعيات داخلية؟

ـ يحشر نفسه في كل شيء
البحرينيون يضيقون ذرعاً بتدخلات هذا المنهج، حيث يتدخل في التنقل والسفر، وفي انتخابات الجمعيات الخيرية الأهلية، وفي طلبات الاسكان حيث تم إلغاء أو تعطيل طلبات المفرج عنهم بعفو ملكي أو بالعقوبات البديلة والمس بحق انتفاعهم بالخدمات الإسكانية التي هي حق أصيل لهم وفق مواد الدستور، ناهيك عن كونهم يمتلكون طلبات قديمة، كما تسري هذه القيود على طلبات الحصول على وثائق رسمية كشهادة حسن سيرة وسلوك، وهي شهادة تصدر وفقا لتقدير الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، ما يُشكّل إعاقة في اندماجهم في المجتمع.

- القوائم السوداء في السفر
كثيراً ما يتم توقيف عدد من المواطنين في منافذ دول مجلس التعاون البرية او الجوية، وإعادتهم إلى البحرين بحجة أن أسماءهم مدرجة في قوائم أمنية مرسلة من السلطات البحرينية، وهو توظيف أمني مستتر في تقيد حق التنقل والسفر، وحين يقوم هؤلاء الممنوعون بمراجعة الجهات الأمنية تنفي الأخيرة ذلك بشدة، وتزعم أن لا قوائم موزعة على دول الجوار، بل يُرجعون ذلك لتقدير خاص بهذه الدول وسيادتها.
هذه القوائم السوداء ذات طبيعة سلطوية تتسبب في خسائر مالية وأضرار معنوية، وقد طالب المتضررون برد اعتبار معنوي والتعويض عن الخسائر، ولكن لا جواب !

- العزل السياسي منتج أمني
في العام 2018 استخدمت السلطات العزل السياسي وهو منتج أمني جديد بغطاء قانوني، وبموجبه تم حظر عمل المعارضين للسلطات بتهمة هلامية اسمها تعطيل الحياة الدستورية في البحرين، وأضحى قرابة 100 ألف مواطن محرومين من حق الترشح والانتخاب، كما نص القانون على ملاحقتهم في انتخابات الجمعيات الخيرية والحقوقية.
هذا العزل السياسي الذي يفتقد إلى الدستورية برأي دستوريين كبار هو في الأساس عقوبة أمنية تكشف تخادماً بين أجهزة الأمن والمؤسسات الصورية في البلاد.

ـ ملوثون سياسياً : تهمة جديدة
وفي موقف جديد للحكومة، رفضت مشروعاً مقدماً من مجلس النواب الحالي مشاركة المحرومين من حقوقهم السياسية في إدارة الجمعيات الأهلية والأندية الرياضية والشبابية، مؤكدة أن هذا المشروع يتعارض مع المصلحة العامة، وأن السماح بترشيح أفراد محرومين من حقوقهم السياسية يُضعف الثقة في دور هذه الجمعيات، ويُشكل تهديداً لسمعة الجمعية، وهي تهمة جديدة مفادها أن المعزولين "ملوثون سياسياً" ، وينبغي استمرار عزلهم عن الحياة العامة.

يبقى القول إن الخيارات الأمنية في البحرين تُشكل خطراً جسيماً على الشئون المدنية وعلى الخيارات الديمقراطية وتستنزف مقدرات البلاد، وتخلق حالات عميقة من التباعد النفسي بين السلطات والمواطنين، فمتى تنكفئ هذه الهيمنة وتكون الحاكمية للدستور بموجب الحقوق والواجبات؟