الحكومة تُدمن الإقصاء السياسي.. مشروع العزل ثابت

2025-10-12 - 11:30 م

مرآة البحرين : تحفّظت الحكومة البحرينية على مشروع قانون تقدّم به عدد من النواب يهدف إلى السماح لفاقدي الحقوق السياسية بالترشح في الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني.

الحكومة برّرت قرارها وقالت في مذكرة رفعتها إلى مجلس النواب إن أغلب فاقدي الحقوق السياسية هم أشخاص صدرت بحقهم أحكام جنائية، وبالتالي فإن السماح لهم بالوصول إلى مواقع قيادية في الجمعيات والأندية ومؤسسات المجتمع المدني من شأنه أن يقوّض الثقة في تلك المؤسسات، التي يُفترض أن تكون نموذجًا للنزاهة والالتزام بالقانون، على حدّ تعبيرها.
كما شددت الحكومة على أن السماح بترشيح أفراد محرومين من حقوقهم السياسية لعضوية هذه المجالس قد يُضعف الثقة العامة في دورها، ويشكل تهديدًا لسمعة الجمعيات وللمصلحة العامة، وفق ادّعائها.

وبحسب المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام المحلية، يهدف المشروع النيابي إلى تعديل المادة 43 من قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة، وذلك بإلغاء شرط التمتع بالحقوق السياسية في من يترشح لعضوية مجالس إدارات الجمعيات والأندية.

بمعزلٍ عن القانون والمقترح وردّ الحكومة، أو بالأحرى رفضها لمشاركة المحرومين من حقوقهم السياسية في إدارات الجمعيات، يسأل الناس "هل نحتاج الى أدلّة وبراهين جديدة على نيّة السلطة نسْف أيّ صورة تُتيح للجميع على مختلف انتماءاتهم الحقيقية المشاركة في الحياة المدنية؟".

يُعيدنا هذا الرفض إلى صفحة 2011 التي لم تعرف السلطة إلى الآن الخروج منها وإيجاد الحلول التي تصحّح الخطأ الجسيم الذي تعاملت معه حينها عبر قمع كلّ الحراك المطلبي الذي انطلق حينها. رفض الحكومة اليوم يعني رفض مُراجعة السلطة لأدائها الذي أقصى الآلاف من الأجندة الوطنية، واليوم تستكمل مشروع العزل بلا عودة.

النتيجة العملية لرفض المشروع واضحة: لا نيّة لدى الدولة لفتح أيّ مسارٍ تصالحي أو لإعادة الثقة بين السلطة والمجتمع السياسي. فبعد حلّ الجمعيات المُعارِضة، وتجريم العمل الحزبي، وتجفيف الفضاء الإعلامي، يأتي هذا الرفض ليؤكد أن البحرين لا تريد حتى أن يُتاح لمن أُقصيَ، أي موقع رمزي أو مدني، في جمعياتٍ اجتماعية أو ثقافية. وكأنّ السياسة في البحرين صارت تهمةً دائمة.

الأخطر من ذلك أن القرار لا يقتصر على منع النشاط السياسي، بل يمتد إلى حرمان المجتمع من طاقاته الأكثر خبرة وتنظيمًا. الإقصاء لا يُضعف المُعارضين فقط، بل يُفرغ الشأن العام من التنوّع والقدرة على الحوار. وهكذا تتحوّل الجمعيات الأهلية إلى كيانات شكلية، تُردّد الخطاب الرسمي ولا تملك سوى تكرار المواقف التمجيدية للسلطة.

أحد السياسيين المُتضرّرين من خطوات التهميش المقصود يقول إن "القانون يَحرم المجتمع من آلاف الكفاءات والكوادر المهنية والفنية والخبراتية التي قضت أعمارها في الدراسة والتدريب والعمل التطوعي والاجتماعي والثقافي والإنساني"، ويُشير إلى أن "الجمعيات الخيرية والفنية والمهنية تعاني منذ العام 2018 من هذا الموضوع".

ثمّة من يسأل أيضًا "أين الكلام عن التعايش و التسامح و المواطن أولًا؟"، ويُضيف "هؤلاء مواطنون أصيلون حُرموا من ممارسة حقوقهم السياسية و الاجتماعية المشروعة.. من حقنا كمواطنين أن نطالب بحقنا فى الترشح والتمثيل فى الجمعيات، وعلى الحكومة العمل على شطب هذا القانون المُجحف بحقّ المجتمع".

وعليه، يُطالب البحرينيون اليوم باحتواء الكفاءات الوطنية والاستفادة من طاقاتهم لمصلحة البلد، بدل وضعها في الثلاجة وإبعادها قسريًا. بهذا المعنى، لم يكن قرار الحكومة مجرّد موقفٍ قانوني، بل إشارة سياسية صريحة: البحرين تُقفل آخر الأبواب أمام السياسة، وتختار طريق السيطرة بدل المصالحة.