الكهرباء والماء .. مسرحية آل خليفة الجديدة

محمد البناء - 2025-10-11 - 6:45 م

مرآة البحرين : لم يبقَ ملف لم يتحول إلى مسرحية سخيفة. كنا نظن أن ملف الكهرباء والماء قضية خدمات عامة، تنتهي عند عداد منزلي أو فاتورة شهرية. لكن في مملكة آل خليفة، حتى شربة الماء وومضة الضوء لها طعم السياسة، ورائحة الفساد، وملمس القمع.
آخر ما جادت به عبقرية النظام إلغاء هيئة الكهرباء والماء وإنشاء شركة وطنية، وهيئة تنظيم مستقلة! يا سلام! كأننا في دولة متقدمة تُعيد هيكلة مؤسساتها لمصلحة الناس، لا في مزرعة عائلية تبحث عن منافذ جديدة للنهب.

منذ أيام فقط، طلعت علينا الحكومة بخطاب منمق عن "إصلاح القطاع" و"ضمان استقرار الخدمات" و"التنظيم الشفاف". كلمات موزونة كأنها خارجة من فم شاعر، لكن خلفها حسابات مالية معقدة، وفواتير ستُسدد من جيب المواطن وحده!

الدعم منّة أم حق؟
منذ سنوات، والناس تستمع لتصريحات تؤكد أن دعم الكهرباء والماء "مستمر للمواطن في مسكنه الأساسي". جملة مكررة باتت أقرب للتهديد منها للتطمين. المواطن البحريني صار يتساءل: هل نعيش في وطن يوزع علينا "إكراميات"، أم في بلد يُفترض أن يكون لنا فيه نصيب من ثرواته؟ أليس النفط والغاز الذي يولّد الكهرباء ملكًا عامًا؟ أليس البحر الذي يستحوذ عليه كبار القوم مُلكًا عامًا؟ فلماذا يدفع المواطن الثمن دائمًا بينما تعيش الطبقة الحاكمة بلا فواتير ولا قلق؟
السلطة تقول: "الدعم مستمر". لكن السؤال: إلى متى؟ وبأي شروط؟

شركة وطنية أي وطن؟
تقول الحكومة إنها ستنقل مهام الهيئة إلى "شركة وطنية". والسؤال: أي وطن؟ في البحرين، كلمة "وطني" تعني شركة تُدار من فوق.
هل ننسى قصة "ألبا"؟ هل ننسى كيف تحولت بعض الشركات الوطنية إلى أدوات لنهب المال العام؟ اليوم الدور على الكهرباء والماء.

الهيئة المستقلة .. استقلال على ورق
ثم هناك "هيئة التنظيم المستقلة". هذه العبارة وحدها تكفي للسخرية. كأننا في ديمقراطية أوروبية تُنشئ جهازًا رقابيًا مستقلًا عن الحكومة. في البحرين، الاستقلال يعني تبعية مقنّعة، فالهيئة ستُعين من فوق، وقراراتها ستُمرر من فوق، ولو فتحت ملفًا شائكًا ستُغلق أفواهها بقرار فوقي.
الاستقلال هنا ورقة توت، والهدف الحقيقي: إعطاء غطاء قانوني لرفع الأسعار تدريجيًا، بحجة "التنظيم" و"الشفافية".

المواطن آخر من يعلم
المواطن البحريني اليوم آخر من يعلم بما يُخطط له. يُستدعى فقط عند الدفع. حين تأتي الفاتورة، يعرف أنه كان ضحية صفقة جديدة. الكهرباء والماء ليست إلا بابًا آخر من أبواب الابتزاز. تدفع لتعيش. أما إذا احتججت، فالسجون مفتوحة، والتهم جاهزة: "الإضرار بالاقتصاد الوطني"، "إثارة الفتنة"، "التحريض على الدولة".

مفارقات
في البحرين، الكهرباء تقطع على الفقير المتأخر عن دفع عشرات الدنانير، لكنها لا تنقطع عن القصور التي لا تعرف الفواتير أصلًا.
هنا يُحاسب المواطن على كل لتر ماء، بينما تُمنح مشاريع الاستثمار العقاري الضخمة حصصًا مجانية من البحر للعائلة الحاكمة.   
وبينما يُرفع شعار "ترشيد الاستهلاك واجب وطني"، تُضاء الأبراج الشاهقة في المنامة ليل نهار بلا حساب.

الضحك على الذقون
الحكومة تحاول دائمًا أن تُلبس إجراءاتها لباس "الإصلاح". تقول: "نريد الاستدامة المالية". تقول: "نريد تقليل العجز". لكننا نعرف أن العجز ليس في الكهرباء والماء، بل في العدالة السياسية. العجز الحقيقي هو في دولة تقوم على التمييز، تُدار كإقطاعية، وتُنهب مواردها علنًا.

حين نسمع هذه التصريحات، نضحك بمرارة. نعرف أنها مقدمات لشيء أسوأ. كما فعلوا مع الضريبة المضافة: بدأت بخطاب جميل عن "تنويع الإيرادات"، ثم انتهت بكابوس جديد على المواطن. واليوم، الكهرباء والماء في الطريق ذاته!

الخدمات ورقة ابتزاز سياسي
المثير أن ملف الكهرباء والماء لم يعد مجرد ملف خدمات، بل ورقة سياسية. "استفد من الدعم إذا التزمت بالصمت".
حتى المياه، التي هي رمز الحياة، تحولت إلى سلعة سياسية. في بلد صغير محاط بالبحر، المواطن يُحاسب على كل قطرة، بينما تُبذر المياه في القصور ومشاريع الأثرياء بلا حساب.

المعركة القادمة: معركة الفاتورة
نحن نعرف أن القادم أخطر. إعادة الهيكلة ليست إلا مقدمة لرفع الفواتير. سيقولون: "التكلفة الحقيقية عالية". سيقولون: "يجب أن يتحمل المواطن مسؤوليته". سيقولون: "العالم كله يرفع الأسعار".
هذه ليست فاتورة كهرباء، بل فاتورة نظام كامل
من هيئة إلى هيئة ومن جيب المواطن إلى جيب العائلة.

التاريخ في البحرين يكرر نفسه لكن بأسماء مختلفة. في كل مرة يأتوننا ببدعة جديدة: "هيئة"، "مجلس"، "شركة وطنية"، ""صندوق". لكن الجوهر واحد: قنوات جديدة لتصريف أموال الشعب إلى جيوب العائلة الحاكمة وحاشيتها.
كل هذه الهياكل ما هي إلا ستار لإخفاء نهب ممنهج. تمامًا كما حدث مع صندوق التقاعد،. نفس اللعبة، نفس اللاعبين.

حسبة بسيطة تكشف اللعبة
لنجرّب الحساب، البحرين دولة صغيرة، عدد سكانها لا يتجاوز المليون ونصف تقريبًا مع الوافدين، ولدينا ثروات نفط وغاز ليست قليلة، ولدينا دعم من السعودية والإمارات بمليارات.   
ورغم ذلك، المواطن يُحاسب على فاتورة ماء وكهرباء كأنه يعيش في صحراء قاحلة بلا موارد.

إذن أين تذهب الأموال؟  
- إلى صفقات تسليح لا لزوم لها.    
- إلى مشاريع "تجميلية" لا يستفيد منها المواطن.
- إلى جيوب العائلة الحاكمة ومحاسيبها.

الكهرباء والماء مجرد جزء من معادلة أكبر: النهب العلني تحت غطاء الإصلاح.