ما هوية "أبو نظارة" ؟

2025-10-08 - 3:50 م
مرآة البحرين: لعل القارئ يفهم سؤال العنوان بطريقة، أننا سنثبت أن الملقب بـ (أبو نظارة) هو وزير التربية والتعليم البحريني محمد بن مبارك جمعة، وهذا لا يحتاج إلى إثبات، لأنه معروف جداً على الأقل لدى موظفي وزارة التربية والتعليم، إلا أن سؤال (ما هويته)، فيتعلق بطبيعة تقلباته دفاعاً عن الديكتاتورية، فقد برز الوزير بوصفٍ وظيفي متقلّب يثير أسئلة جوهرية عن طبيعة صناعة القرار التعليمي وعلاقته بالسياسة والأمن.
فقبل تولّيه الوزارة، قدّم مبارك نفسه ككاتب ومحلّل سياسي وباحث في الشؤون السياسية، وشارك بصفته «كاتبًا ومحللًا سياسيًا» في فعاليات ومنابر صحفية تناقش ملفات إقليمية حسّاسة كالنفوذ الإيراني ولبنان.
على المستوى الإداري، شغل جمعة مناصب داخل وزارة التربية: مديرًا عامًا لشؤون المدارس، ثم وكيلاً للموارد والخدمات ورئيسًا للجنة الفصول الافتراضية خلال جائحة «كوفيد-19» (2020)، قبل أن يُعيَّن وزيرًا للتربية والتعليم في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ثم أصبح أيضًا رئيس مجلس أمناء مجلس التعليم العالي.
المعضلة ليست في التدرّج المهني بحد ذاته، بل في تداخله مع أدوار خطابية/سياسية لا صلة مباشرة لها بالتربية، بما يوحي بعقلية أقرب إلى «إدارة أمنية للفضاء التعليمي» منها إلى فلسفة الحقوق والحريات الأكاديمية.
إنّ الجمع بين صفات «كاتب ومحلل سياسي» وتولّي حافظة تعليمية عليا، مع مسؤوليّات رقابية على الجامعات ومناهجها، يفتح الباب لاشتغالٍ سياسي على الحقل التعليمي، بدل تمكينه من الاستقلالية والشفافية المطلوبة.
أما كلية المعلمين، فقصتها من قصص التمييز العميق، إذ يُضيّق قبول الطلبة البحرينيين الشيعة، في حين يُفتح الباب على مصراعيه لضم أبناء البحرينيين الجُدد، أي ممن جُنّسوا وفق منهجية التجنيس السياسي الذي عملت عليه السلطة بشكل دؤوب منذ 2006 -وربما قبلها- لتغيير التركيبة السكانية، الأمر الذي لا يتطلب إثبات ودلائل أكثر من زيارة خاطفة لأي فصل دراسي بالكلية.
الاتجاه لضبط مخرجات كلية المعلمين يأتي على خلفية أحداث عام 2011 وما جرى خلالها من إضراب للمعلمين عن الحضور في فترة اعتصام دوار اللؤلؤة، فضلًا عمّا نص عليه تقرير البندر بهذا الشأن. أما دور الوزير الحالي في "معمعة" كلية المعلمين فهو محط تساؤل: هل له يد في توجيه سياستها هذه، وهو المعروف بعقليته الأمنية المنحازة للسلطة، أم أن الموضوع أكبر من منصبه؟ في كلتا الحالتين هو في واجهة المسؤولية كونه وزيراً لـ "التربية" والتعليم.
اليوم، وبعد أن غدا جمعة وزيرًا، ومع قيادته لمجلس التعليم العالي، وبروزه السلبي في قضية حبوب "اللاريكا" وإقالة الأستاذة لولوة البنعلي، ومن ثم اعتقالها، تزداد مسؤولية الوزارة في صون سلامة البيئة التعليمية، وضمان حرية الفكر داخل المدارس والجامعات، وتحصين القرارات على كل المستويات من أي توظيفٍ أمني أو سياسي، لا كما يحدث -على سبيل المثال- من تحديث سلبي لمضامين المناهج التعليمية بما يتواءم مع اتجاهات التطبيع.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من الشفافية: نشر معايير واضحة، ولجان مستقلة تضم أكاديميين منتخبين، وآلية تظلّم فعّالة، وقياسٍ دوري لأثر السياسات على تكافؤ الفرص. دون ذلك، سيبقى التعليم أسيرًا لعقلية إدارة سياسية/أمنية لا تليق بمؤسسةٍ رسالتها الأولى تحرير العقول لا تشكيلها على المقاس.