كيف تصنع السلطة في البحرين "الطرطور السياسي" ؟

2025-10-02 - 9:45 م

مرآة البحرين : وسط صخب السلطة المستبدة لا تحتاج أن تعتقل كل المعارضين، ولا أن تسجن كل الأصوات الحرة، ولا حتى أن ترهق نفسها بتبييض صورتها أمام العالم. كل ما تحتاجه ببساطة هو أن تصنع لك "طرطوراً سياسياً" يلبس بدلة أنيقة، أو أي لباس شعبي ، المهم أن يتحدث لغة المعارضة حين تحتاجه، ويلبس عباءة النظام حين يريد منه ذلك. الطرطور السياسي هو منتج رسمي للسلطة، وليس حالة طبيعية في المشهد السياسي.

صناعة الطرطور: من معارض إلى بوق رسمي

الطرطور لا يولد هكذا، بل يُصنع تصنيعاً. يبدأ شاباً غاضباً، يهتف ضد الفساد، يشارك في اعتصام، وربما يكتب مقالاً نارياً ذات يوم.
السلطة تراقبه عن كثب: هل هذا المعارض قابل للتطويع؟
هل يمكن شراؤه؟ هل يمكن تهديده؟ هنا تبدأ ؟

المرحلة الأولى: مرحلة الاحتواء.
- تُفتح له بعض الأبواب: وظيفة في مؤسسة رسمية، تسهيل معاملة حكومية، دعوة إلى (حوار وطني).
- يُختبر ولاؤه عبر موقف محدد: هل سيقف مع الضحايا أم مع بيانات السلطة؟
- حين يثبت استعداده للتنازل، تبدأ عملية تلميعه: يظهر في الإعلام، يُقدم كـ(وجه معتدل) ويُصبح ناطقاً باسم "المعارضة المقبولة".

الطرطور السياسي: وظيفة لا موقف

وظيفة الطرطور هي أن يستهلك لغة المعارضة لكن دون أن يهدد النظام. هو يعارض الفساد لكن لا يذكر الفاسدين، يهاجم الاستبداد لكن لا يسمي المستبد، يتحدث عن الحقوق لكن لا يربطها بالشعب المسحوق!
وظيفته أن يكون ديكوراً، واجهة يزين بها النظام مشهد "التعددية السياسية" الزائفة؟!

هو معارض في الشكل، وموالي في الجوهر. يقول للناس: (أنا صوتكم)، ويقول للسلطة: (أنا جسر بينكم وبينهم). وفي النهاية، لا هو جسر ولا هو صوت، بل مجرد طرطور يُستخدم ساعة الحاجة.

خصائص الطرطور البحريني!

لو أردنا أن نضع كتيباً تعريفياً بالطرطور السياسي في البحرين، فستكون صفاته كالآتي:
1- التوقيت الذهبي: يظهر دائماً عند كل أزمة كبرى، ليبرر قمع السلطة بلغة ناعمة.

2- الازدواجية: يتحدث للناس عن الحرية، ويتحدث للسلطة عن (الاستقرار).

3- التسويف: يعد الناس بإنجازات وهمية قادمة، ويعيش على شعارات (غداً أفضل) و الحوار مستمر.

4- النفاق الإعلامي: ينتقد السلطة في مقطع فيديو قصير، ثم يمتدحها في جلسة مغلقة.

5- الطموح الشخصي: هدفه الأول ليس التغيير، بل أن يحصل على مقعد برلماني أو وظيفة مرموقة أو مقعد في مجلس الشورى!

كيف يستخدمه النظام؟

السلطة البحرينية تتقن لعبة (الطراطير) حين يشتد الغضب الشعبي، تُخرج الطرطور ليهدئ الشارع: يقول لهم: اصبروا، هناك حوار قريب، أو أن النظام قد تغير، وأصبح أكثر انفتاحاً، أو ينصحهم بتجنب التصعيد، وأن لينا المحافظة على السلم الأهلي.
لكن الحقيقة أن هذا الخطاب لا يخدم إلا السلطة نفسها. الطرطور هنا أشبه بـ(مهدّئ سياسي) يُعطى للناس حتى يناموا عن حقوقهم.

الطرطور والناس

المؤلم أن الطرطور يعيش بين الناس، في أحيائهم وديوانياتهم ومجالسهم، ويعرف جيداً حجم القهر والظلم. لكنه يتعامل مع تلك المآسي كـ(رأسمال سياسي)، يفاوض بها في الكواليس ليكسب امتيازات شخصية.
وفي لحظة ما، يصبح الطرطور مثل السمسار: يبيع آلام الناس على طاولة المساومات.

لماذا يقبل بعض المعارضين أن يصبحوا طراطير؟

الجواب بسيط: الطموح + الخوف.
الطموح لأن بعضهم يريد أن يعيش حياة مرفهة ولو على حساب مبادئه، والخوف لأن السجون والمنافي قاسية، فيظن أن التنازل الجزئي يضمن له السلامة.
لكن النتيجة النهائية واحدة: خيانة للناس، وتلميع للنظام.

الطرطور السياسي أخطر من الجلاد

الجلاد واضح، عداؤه صريح، كرباجه ، سياطه فوق ظهرك وسجنه بانتظارك. أما الطرطور، فيغدر بك باسم المعارضة، يسرق صوتك ويجعل قضيتك ورقة مساومة. لذلك، كثيراً ما يكون الطرطور أخطر من الجلاد نفسه، لأنه يلبس قناع (المُخلّص) بينما يطعن في ظهر المظلوم.

البحرين وسوق الطراطير

من يراقب المشهد السياسي في البحرين يجد أن السلطة تتعمد تكثير الطراطير وتوزيعهم على كل الاتجاهات: طرطور ديني، طرطور يساري، طرطور ليبرالي، طرطور طائفي، هكذا تضمن أن كل خط سياسي لديه "ممثل رسمي" يمكن التحكم فيه.

الطرطور الديني مثلاً: يتحدث عن التسامح الديني لكن لا يجرؤ على ذكر المساجد المهدمة، ولماذا يتم استهداف عاشوراء كل عام.
الطرطور اليساري: يهاجم الاستعمار لكنه يصمت عن القواعد الأميركية في البحرين.
الطرطور الليبرالي: يتحدث عن الحريات الفردية لكنه يغض الطرف عن الاعتقالات السياسية!

الطرطور في البرلمان

أكبر مسرحية طراطير نشهدها هي البرلمان البحريني. نواب يشبهون الطراطير تماماً: يصرخون في جلسة تلفزيونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، ثم يصوتون مع السلطة في القوانين الجوهرية!
يتظاهرون بأنهم يمثلون الشعب، لكنهم في النهاية مجرد ديكور لإيهام العالم بوجود حياة ديمقراطية.

هل يمكن للشعب أن يفضح الطراطير؟

نعم، الشعوب ليست غبية. قد تُخدع لفترة، لكنها تكتشف الحقيقة سريعاً.
الطرطور السياسي لا يستطيع الاستمرار طويلاً، لأن أفعاله تكشفه: حين يقف ضد مصالح الناس، حين يبرر اعتقال المعارضين، حين يبرر التطبيع مع العدو الصهيوني.

مسؤولية المعارضة الحقيقية

المعارضة الأصيلة مسؤولة عن فضح الطراطير وتعريتهم أمام الناس. مسؤوليتها أن تميز بين المعارض الصادق والمعارض المزوّر. لأن ترك الطراطير في المشهد يعني السماح للسلطة بالتحكم بسقف المعارضة.


في البحرين، السلطة لا تخاف من المعارض الصادق فقط، بل تسعى دائماً لإنتاج بديله المزيف. الطرطور السياسي وظيفته أن يستهلك غضب الناس ويوجهه إلى طريق مسدود.
لكن الشعب الذي خبر السجون والمنافي والتضحيات يعرف أن الطراطير لا يصنعون تغييراً، وأن الحقوق لا تُنتزع إلا من خلال الصدق والإخلاص والتضحيات الحقيقية.

الطرطور قد يكسب مقعداً أو امتيازاً، لكن التاريخ لا يذكر الطراطير، بل يذكر الأحرار الذين وقفوا في وجه الظلم مهما كان الثمن!