لماذا حاربت السلطة في البحرين التضامن مع استشهاد شهيد الأمة السيد حسن نصر الله؟

محمد البناء - 2025-09-28 - 10:49 م

مرآة البحرين : في البحرين، حيث يبدو أن القمع صار فناً ومهارة متوارثة عبر الأجيال، كان من الطبيعي أن تثير أي علامة على التضامن الشعبي مع المقاومة شعور السلطة بالخوف والذعر. استشهاد السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، لم يكن حدثاً عادياً في عالمنا العربي المقاوم، بل كان بمثابة زلزال يهز الأرض تحت أقدام الحكام الطغاة ، خصوصاً أولئك الذين اعتادوا أن يكونوا وحدهم في المسرح، وأن يرقص الشعب وفق ألحانهم المزعجة؟

منذ اللحظة الأولى لخبر الاستشهاد، بدأت السلطة بمواجهة أي محاولة للتعبير عن الحزن أو التضامن، باعتبار أن كل شعور عاطفي، كل ذكر للراحل، وكل كلمة تقدير، هو بمثابة تهديد مباشر للسلطة.
وكأن الشعب لم يكن سوى آلة صامتة تنتظر الأوامر. في البحرين، لم تعد الحرية مجرد كلمة، بل صراع يومي على حق الكلام، على حق الفرح، على حق الحزن، على حق التفاعل الإنساني الطبيعي مع أحداث عظيمة. التضامن مع الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله هنا أصبح ""جريمة"" وجميع العيون الرسمية تترقب، وكأن الشعب ينتظر السماح للشعور بالحزن!

السلطة الخليفية، بحسها السياسي المرهق والخائف، تدرك أن التضامن مع المقاومة ليس مجرد طقوس عاطفية، بل رسالة سياسية قوية. عندما ينحني الناس في صمت أمام صورة الشهيد، أو يرفعون الأيدي بالدعاء له، فإنهم يعلنون رفضهم للهيمنة، ويؤكدون أنهم لم ينسوا أن المقاومة هي خط الدفاع الوحيد عن كرامة الأمة. هذا الفعل البسيط، عميق المعنى، يزعج السلطة ويُخيفها، لعلمها جيداً أن الشعب البحريني قادر على التضامن ليس بالكلمات فقط، بل بالأفعال، وأن كل تضامن هو شرارة لوعي مقاوم لن يطأطئ رأسه أمام الطغيان.

السخرية هنا لا تنتهي عند حدود السلطة فقط، بل تمتد إلى أبواقها الإعلامية التي تحاول أن تبيع الرواية المقلوبة: أن أي تضامن مع حزب الله أو السيد نصر الله هو "خيانة للوطن" أو "تآمر ضد البحرين"، وكل قلب ينبض بحب المقاومة هو عميل، وكل يد ترفع بالدعاء للشهيد هي تهديد للعرش.
السخرية الحقيقية هنا أن السلطة نفسها هي التي دمرت الثقة بين الشعب والنظام الحاكم ، تتهم الشعب الآن بأنه يهدد الاستقرار! يا للوقاحة! يا للجنون البشري الذي لا يرحم.

لنأخذ مثالاً على الطريقة التي تحاول بها السلطة محاربة التضامن: المراقبة المكثفة للشوارع، مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، وفرض قيود على أي تجمع شعبي أو إحياء رمزي للذكرى.
في البحرين، أصبح رفع صورة للشهيد السيد حسن نصر الله على الإنترنت أشبه بالإعلان عن تمرد مسلح. حتى العبارات البسيطة على تويتر أو فيس بوك تتحول إلى تهديدات حقيقية، ويصبح المواطن الذي يكتب كلمة تضامن "مشتبهاً به". السلطة هنا تعامل الناس كما لو أنهم قطعان تحتاج إلى رعي دائم، بدلاً من أن يكونوا مواطنين أحرار يملكون الحق في التعبير عن مشاعرهم.

لكن هنا يظهر الجانب الأكثر مفارقة: كل هذه الإجراءات، كل هذا القمع، لم يحقق سوى أمر واحد : زيادة التضامن الشعبي.
كل منع، كل تحذير، كل تهديد، كان فرضة تُثبت أن الشعب البحريني لم ولن ينسى مواقف السيد.
هذا التضامن الذي يخشاه حكام البحرين ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل هو "فقه مقاوم" في أبسط صوره، درس في الصمود في وجه الطغيان، ومثل حي على أن الحرية لا يمكن إسكاتها بالقمع.

السلطة، بطبعها المهووس بالسيطرة، لا تفهم أن التضامن مع المقاومة ليس مجرد قضية سياسية، بل قضية أخلاقية وروحية و عقدية. الشعب البحريني، منذ القدم، تربى على حب العدالة والمقاومة، على رفض الظلم، على الإيمان بأن الأمة تستحق أن يكون لها صوت قوي، وألا يكون هناك من يذلها أو يركعها. هذا الشعب يعرف أن الشهيد السيد حسن نصر الله لم يكن مجرد قائد سياسي، بل رمز وأيقونة مقاومة، ووجوده أو ذكراه يمثل وقوفاً أمام الظلم، سواء في لبنان أو في فلسطين أو في أي مكان من أرض الأمة.

كيف يمكن لنظام يخاف من صور على الإنترنت أن يطلق العنان للسفن الأمريكية في مياهه، وأن يسمح لقواعد أجنبية أن تتوغل في أراضيه، وكل هذا باسم "الأمن القومي"؟ هذا هو التناقض الأكثر وضوحاً في عقلية الحكم: الخوف من التضامن الشعبي الحقيقي، مع القبول بالغزو العسكري والاقتصادي والسياسي الأجنبي.

لكن ما هو واضح أيضاً، أن القوة الحقيقية في البحرين ليست في البدلات العسكرية ولا في قوات الأمن المترهلة، بل في قلوب الناس. كل رسالة تضامن، كل صلاة للشهيد الأقدس، كل موقف صغير يظهر على السوشال ميديا، هو رسالة إلى السلطة: لن نستسلم، لن نركع، لن ننسى. التضامن مع الشهيد السيد حسن نصر الله هو بمثابة مدرسة صمود، درس عملي في رفض الاستسلام، في رفض الرضوخ، في رفض التذلل أمام الطغاة.

السلطة حاولت، كما هي عادتها، أن تحرف هذا التضامن وتضعه في قالب ""مشبوه"". لكن الشعب البحريني لم ينسخها، ولم يخضع لهذا العبث. على العكس، كل محاولة للقمع كانت حافزاً لزيادة الوعي، لزيادة الانتماء للمقاومة، ولإظهار الحقيقة البسيطة: أن الشعب البحريني لا يحتاج إلى إذن ليحب أو ليعبر عن تضامنه. أي محاولة لطمس الوعي المقاوم ليست سوى دليل إضافي على أن الضمير الشعبي حي، وأن القضية أكبر من أي حكومة متسلطة أو أي نظام قمعي.

ولنكن صريحين، السلطة تعلم أن التضامن مع الشهيد الأقدس ليس مجرد حدث لحظي، بل هو عملية طويلة، وعملية تأثيرية عميقة. الشباب البحريني، الذين يقفون خلف الصور والرسائل والدعوات، يعرفون أن الاستشهاد رمز ليس للموت فقط، بل للحياة، للحركة، للرسالة، للمقاومة. وكل محاولة للقمع كانت مجرد محاولات بائسة لتقليل تأثير هذه الرسالة، لكنها فشلت، وفشلت فشلاً ذريعاً. الشعب البحريني أذكى من أن ينجرف وراء التهديدات، وأقدر على استيعاب عمق الرمزية والتضامن.

إن هذه المعركة بين السلطة والشعب ليست فقط عن التضامن مع الشهيد، بل هي عن مستقبل الأمة، عن الهوية المقاومة، عن فكرة أن الشعب قادر على اتخاذ مواقفه الخاصة دون إذن أحد. التضامن مع الشهيد السيد حسن نصر الله أصبح اختباراً لقدرة الشعب على الثبات، على الصمود، على رفض كل ما هو باطل. وكل كلمة، وكل صورة، وكل دعاء، هو سلاح ضد القمع، وسلاح ضد كل محاولة لترويض الأمة.

في النهاية، كل هذا القمع، وكل هذا العبث، وكل هذه المحاولات الفاشلة، تثبت حقيقة واحدة: السلطة في البحرين تخاف من التضامن، لأنها تعرف أن التضامن مع شهادة السيد ليس مجرد شعور، بل سلاح. الشعب البحريني، من خلال تضامنه مع الشهيد نصر الله، يظهر أنه لن يركع، لن يساوم على حقوقه، ولن يسمح لأحد بتقليص دوره في الدفاع عن العدالة والمقاومة. كل محاولة للقمع تزيد من وضوح الحقيقة: أن الحرية والوعي والمقاومة أقوى من أي قوة أمنية، وأكبر من أي خوف سلطوي.

إن كل ما تحاول السلطة فعله اليوم لمحاربة التضامن، سيصبح غداً دليل فخر على أن الشعب لم يترك هويته وانتماءه وتكليفه الشرعي والإنساني، وأن الإرث المقاوم يعيش في كل كلمة، في كل دعاء، في كل صورة، وفي كل قلب ينبض بالحرية والكرامة. التضامن مع الشهيد الأقدس السيد حسن نصر الله ليس حدثاً عابراً، بل درس حي في أن المقاومة الحقيقية لا تموت، وأن الأمة لا تُسكت، وأن الشعب البحريني سيبقى شامخاً، رغم كل المحاولات القمعية، رغم كل التهديدات، رغم كل البدلات العسكرية الفارغة التي يحاول بها حكامه أن يخيفوه.

زبدة الكلام : السلطة البحرينية حاربت التضامن مع استشهاد السيد نصر الله لأنها تخشى القوة الحقيقية، قوة الوعي الشعبي، قوة الرسالة، قوة التضامن المقاوم. كل تهديد، كل قمع، كل محاولات التشويه، لم تكن سوى دليل على عمق تأثير المقاومة في وجدان الشعب البحريني، ودليل على أن الحرية والصمود لا يمكن قمعهما. التضامن ليس مجرد كلمات، بل سلاح، ورسالة، ودروس في الصبر والثبات. الشعب البحريني، في كل دعاء وفي كل صورة، يقول للعالم: لن نركع، لن ننسى، وسنظل نحيا بالمقاومة.