الأسطول الخامس وحقوق الإنسان في البحرين!

2025-09-22 - 8:05 م

مرآة البحرين : في الجُفير، تلك البقعة الساحلية الصغيرة التي تحولت من حيّ هادئ إلى ثكنة عسكرية، يتمدد الأسطول الأمريكي الخامس كما يتمدد السلطان في قصره، يراقب المنطقة، يحصي السفن، ولا يحصي المعتقلين في سجون حاكم البحرين؟

قاعدة (الدعم البحري - الجُفير) ليست مجرد منشأة عسكرية، بل هي أشبه بسقف الحماية الدولي للسلطة في البحرين. سقف لا يقي من حرارة الصيف، لكنه يقي من حرارة تقارير حقوق الإنسان.

في كل مرة يتحدث فيها مسؤول أمريكي عن "الحرية" يمرُّ صوته عبر أسلاك القاعدة في الجفير، يُفلتر من كلمة "الديمقراطية"، ويُضبط على موجة "الاستقرار". أما في الداخل، فالسجون ممتلئة، والضمائر معتقلة، ولا أحد يسمع صراخ المعتقلين لأن جدران الزنازين مضادة للصوت الأمريكي.

الأسطول الخامس ليس عدوًا لحقوق الإنسان، لكنه مشغول جدًا عنها. فبين مراقبة مضيق هرمز واحتساب عدد الطائرات المسيّرة الإيرانية، لا وقت لديه لمراجعة سجل دولة حليفة تقمع شعبها (من الوريد إلى الوريد)؟!

والأطرف من ذلك، أن البيانات الأمريكية "تشعر بالقلق"، كما يشعر أحدهم بالجوع في مجلس فيه سبع ولائم. قلق ناعم، دبلوماسي، محشو بعبارات التوازن، لكنه لا يمنع ضربة هراوة على رأس شاب طالب بحقوقه، ولا يُنقذ معارضًا قضى سنوات في العزل الانفرادي لأنه كتب تغريدة عن حقوقه المغتصبة.

أما الدولة، فتفاخر بذلك التحالف العسكري كما يفاخر شاعرٌ قديم بسيفٍ لا يملكه. ويكفيها أن تقول: "لدينا شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة" لتغلق ملفًا حقوقيًا، أو تُمرر محاكمة جماعية ضد معارضين ، أو تُقصي مجتمعًا مدنيًا بأكمله

هل الأسطول الخامس مسؤول؟
بالطبع لا.، لكنه شريك صامت. والصمت أحيانًا أقبح من القمع نفسه!

فما قيمة بحرٍ تحرسه بارجات، إذا غرق فيه شعبٌ بكامله تحت موجات الظلم؟

في قلب الجُفير، حيث حتى زقزقة العصافير تُفتَّشها عيون الرادار الأمريكي، يتمركز الأسطول الخامس. لا يحرس الممرات البحرية، بل يحرس عروش الطغاة. يصنع حول اليابسة جدارًا من الصمت، صمتًا يخنق الحريات ويُكدّس الأنفاس في زنازين السجناء السياسيين؟

البحريني الذي يسير قرب سور القاعدة، لا يرى إلا جدرانًا عالية، وكاميرات مراقبة، وعَلمًا أمريكيًا يرفرف بثقة. لكنه لا يرى تقارير التعذيب، ولا يسمع صراخ المعتقلين، ولا يجد في الدستور مادة تفسّر له كيف يتحوّل التحالف العسكري إلى مظلّة دبلوماسية للقمع!

الأمريكيون يسمونه الأسطول الخامس والسلطة تعتبره "ضمانة الاستقرار"، أما الشعب فيسميه همسًا "الشاهد الأخرس" !

كيف يكون هناك أسطول بهذا الحجم، بكل هذه الرادارات، بكل هذا الذكاء الصناعي، ولا يرى ما يحدث في زنزانة طولها متران؟
كيف تطير الطائرات دون طيار من فوق البحرين، وترى ما في اليمن وإيران، ولا ترى الدماء اليابسة على أرض سجن جو؟

الأسطول الخامس في البحرين ليس مجرد رمز للقوة، بل صار غطاءً سياسياً. كلما ارتفع صوت معارض، خفضوه، ثم ابتسموا للسفارة الأمريكية، وخاطبوها : "نحن نحارب التطرف".
وما هو التطرف؟ هو أي شيء لا يدخل ضمن حدود التعاون الأمني.

لم يطلب أحد من أمريكا إعلان الحرب على مضيفتها، لكن على الأقل أن لا تُصفّق لمن يجلد مواطنيه، وأن لا تنشر بيانًا مشتركًا في اليوم التالي تتحدث فيه عن "الإصلاح القضائي" بينما الشكاوى تملأ أدراج المنظمات الحقوقية.

أراد الشعب البحريني عدالة، فوجد نفسه محاطًا بالحراسات البحرية.
أراد حرية، ففُتح له باب السجن بدلًا من باب التعبير.
أراد شراكة مع العالم، فوجد أن العالم يعقد شراكته مع من سجنه.


ختامًا، القواعد العسكرية لا تبني وطنًا، بل تُغلق أحيانًا أبواب الحلم، والمؤكد أنَّ السلام لا يُصنع فوق قاعدة عسكرية، بل فوق أرضٍ يُسمع فيها صوت الناس.