ألم يملّ وزير الداخلية من اسطوانته الأمنية؟

2025-09-20 - 8:48 م

مرآة البحرين : في 28 آب/أغسطس 2025، التقى وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة عددًا من خطباء المساجد ورجال الدين. بحسب الخبر الرسمي الذي نشرته وكالة "بنا"، يأتي اللقاء "في إطار الحرص على تعزيز استراتيجية الشراكة المجتمعية والتواصل البناء مع كافة الفعاليات والأطياف المجتمعية، وانطلاقًا من دور الخطاب الديني في الحفاظ على أمن وسلامة المجتمع".

الأبرز في مواقف راشد بن عبد الله أمام الحضور كان قوله إن "منابر المساجد يجب أن تظلّ مُحافظةً على قدسيّتها ودورها الديني في النُصح والإرشاد بما فيه خير للناس، ولن يتمّ السماح بأن تكون خارج هذا السياق".

الكلام يُشبه إلى حدّ كبير التهديد، خاصة أن ما بَانَ من المشهد في الشكل يُشير الى أن وزير الداخلية استدعى الخطباء ورجال الدين ليُدلي بهذه الجملة تحديدًا.

كثيرةٌ هي الملاحظات والانتقادات التي طالت هذه الصورة وهذا الوعيد المتكرّر الصادر عن عرّاب المشروع الأمني الثابت في البحرين. وزير الداخلية يضع دائمًا نُصب عينيْه المنبر الديني وشخصيّاته، يُراقبهم، ويتعقّبهم، ويتقصّى عن كلّ شاردة وواردة يُقدمون عليها ولاسيّما في المواسم والمناسبات الإسلامية.

هذا الإصرار من ناحية راشد بن عبد الله على التوجّه للإملاء على أصحاب العمائم كيف وبمَ يتحدّثون بات أسطوانة مُقرفة ومملّة، لكنّه يُكمل في تشغيلها كي يقول "نحن هنا ونستطيع.. نحن هنا والسجن بانتظاركم إذا خالفتم أوامري".

مُتابعة نشاط وزير الداخلية وحركته تجاه المشايخ ورجال الدين تقود إلى استنتاجات جليّة يمكن جمْعها تحت العناوين التالي:

1. الدولة مصرّة على اجتثاث أيّ فكر إسلامي قومي من الساحة الداخلية في البحرين، وأوكلت العملية الى وزير الداخلية، صاحب الشهيّة المفتوحة دائمًا على الاعتقالات التعسفية.

2. راشد بن عبد الله يعمل بلا توقّف على إفراغ الخطاب الديني من بُعده الإصلاحي وجوهره الإسلامي المحمّدي الأصيل، ومن مناصرة قضايا المظلومين على قاعدة "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم".

3. وزير الأمن يُكرّس جُهده لتحجيم دور المؤسسات الدينية ومنعها من أن تكون صوتًا ناقدًا للسلطة حتى لو بشكل غير مباشر، أو معبّرًا عن هموم المجتمع.

4. راشد بن عبد الله يسعى لمُصادرة دور وصلاحيات وزارة الشؤون الاسلامية، للسيطرة تمامًا عليها ولاسيّما لناحية العلاقة مع الخطباء ورجال الدين في عموم المملكة.


وعليه، تكرار الوزير لعبارات، مرةً من قبيل "عدم جواز استغلال المنابر الدينية في السياسة"، ومرةً أخرى أن عاشوراء ليس فيها من السياسة، هو امتدادٌ لخطاب رسمي من الملك شخصيًا لطالما وُجّه إلى علماء البحرين منذ سنوات. في أكثر من مناسبة، جرى استدعاء خطباء أو التحقيق مع رجال دين بسبب خطب أو مواقف اعتُبرت "تجاوزًا" للخطوط المرسومة من الدولة. هذه الممارسات ليست إلّا إشارات ترهيبية، مفادها أنّ المشاركة في النقاش العام قد تؤدي إلى عقوبات، وهو ما يضع رجال الدين أمام معادلة قاسية: إمّا الصمت أو التحدي مع خطر المُلاحقة والسجن.


المفارقة أن الدستور البحريني نفسه ينصّ على حرية التعبير، وعلى أن المواطنين متساوون في حقوقهم وواجباتهم، غير أن الإصرار على تهميش صوت رجال الدين لا يخدم الاستقرار كما يُروّج، بل يزيد من الفجوة بين الدولة والمجتمع. التجارب التاريخية أثبتت أنّ إقصاء المكوّنات المؤثّرة يؤدي إلى احتقان طويل الأمد، بينما فتْح المجال للنقاش المسؤول يخلق جسور ثقة ويمنح الشرعية لأية عملية سياسية.

يشدّد راشد بن عبد الله أمام الخطباء الذين اجتمع بهم على أن الخطاب الديني لا يجب أن يخرج عن سياق النُصح والدعوة والتمسّك بالقيم والتعاليم الدينية السمحة، وهو نفسه الذي يُناقض هذه التعاليم عندما يستهدف محوْها من المنبر الإسلامي البحريني الذي لطالما اشتُهر وتميّز بين البلدان الإسلامية ولاسيما الخليجية بمقاربته للشؤون الإسلامية والعربية والقومية والإنسانية على مستوى العالم.

تهديد رجال الدين في البحرين كي لا يتعاطوا السياسة، ليس سوى محاولة لإقصاء أحد أهمّ الفاعلين في المجال العام، وهو ما يعكس خشية السلطة الثابتة من أيّ خطاب حرّ يُحرّك الرأي العام ويؤثّر في المواطنين على مختلف توجهاتهم، لا بل يكشف أوجه الخلل في إدارة الدولة.