أحمد المسلم والديمقراطية: نكتة بايخة بطعم رسمي!

2025-09-19 - 10:54 م

مرآة البحرين: حين يخرج أحمد المسلم رئيس مجلس النواب ليتحدث عن الديمقراطية، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن البحريني البسيط: هل يقصد الكلمة نفسها التي يعرفها العالم، أم أنه يتحدث عن مصطلح آخر مشوَّه، مُعاد تدويره، مصنوع في مطابخ البلاط؟ لأن الديمقراطية التي نقرأها في الكتب ونعيشها في أحلام الشعوب الحرة لا علاقة لها بالديمقراطية التي يلوكها المسلم في خطاباته. هنا نحن أمام نسخة محلية، نسخة (مضروبة) مثل سلعة مقلدة في سوق شعبي:: شعارها لامع، لكن محتواها فارغ؟

الديمقراطية على لسان المسلم: معزوفة نشاز؟

تخيل أن مهرّجًا يرتدي بدلة لامعة قرر فجأة أن يمسك بآلة الكمان في أوركسترا كلاسيكية. ستحاول أن تتمالك ضحكتك، لكن اللحن المزعج سيدفعك في النهاية إلى القهقهة. هذا بالضبط ما يحدث حين يتحدث أحمد المسلم عن الديمقراطية. الرجل لا يملك أدواتها، لا يعيش قيمها، ولا يعرف معناها الحقيقي. كل ما يعرفه هو بعض المفردات المعلبة التي يكررها بلا حياة: ""مشاركة"، ""حرية"، ""إرادة الشعب".

لكن ما هي المشاركة التي يقصدها؟ المشاركة في التصفيق للميزانيات الفاسدة؟ الحرية التي يقصدها هل حرية النائب في أن يتحدث ضمن السقف المرسوم فقط من آل خليفة؟
إرادة الشعب؟ أي شعب يقصد؟ شعب المجالس الرسمية، أم شعب الشوارع المسحوقة!؟

ديمقراطية المسلم: كذبة للتصدير

لنكن صريحين، حديث أحمد المسلم عن الديمقراطية ليس موجهًا للداخل، فالجميع هنا يعرف المسرحية ويحفظ نصها عن ظهر قلب. كلامه موجّه للخارج، للصحفي الأجنبي الذي يمر مرور الكرام، للسفارة التي تريد سماع كلمة "ديمقراطية" حتى تكتب في تقريرها أن الأمور بخير. إنه تسويق، دعاية رخيصة، بضاعة للتصدير، لا أكثر.

أما البحريني الذي عاش القمع والسجون وإغلاق الجمعيات ولجم الصحافة، فهو يعرف أن حديث المسلم عن الديمقراطية مثل إعلان عن "كريمة تجميل" تقدّمها شركة تنتج السموم.

المفارقة الكبرى!

المفارقة أن أحمد المسلم ينطق كلمة "الديمقراطية" وكأنها ملك شخصي ورثه عن أجداده، بينما تاريخ البحرين السياسي مثقل بالمنع والمصادرة. نحن نتحدث عن بلدٍ حُلّت فيه أكبر الجمعيات المعارضة، واعتُقل قادتها، ومُنع الشعب من التعبير حتى عن أبسط حقوقه. فكيف يجرؤ المسلم أن يحاضر فينا عن الديمقراطية؟ أي جرأة هذه؟ بل أي استهبال هذا؟

الديمقراطية كديكور

الديمقراطية في لسان المسلم ليست إلا ديكورًا في صالة مهترئة. واجهة زجاجية مغسولة بعناية تخفي جدرانًا متصدعة. هو يلمّع المصطلح كما يلمّع بائع سيارات مستعملة مركبته القديمة، يرش العطر على المقاعد البالية ويقول للمشتري: "إنها جديدة". لكن المشتري، أي الشعب، يعرف أن المحرك معطل، وأن السيارة لا تصلح إلا للخردة.

كلام أحمد المسلم (أو بالأحرى نشيده الرسمي عن "الديمقراطية")

خرج علينا أحمد المسلم قبل أيام متأنقًا، يقرأ من ورقة كأنها نشيد وطني محفوظ:
"مشاركة شعبية فاعلة، حرية رأي مسؤولة، سلطة تشريعية تمارس صلاحياتها، قضاء مستقل، آليات وطنية لحقوق الإنسان، ثقافة سلام وتسامح، إعلام وطني بارز..."

ولو لم نكن نعرف البحرين، لظننا أنه يتحدث عن السويد لا عن بلد تُمنع فيه صلاة الجمعة لأكبر مكوّن اجتماعي!

المشاركة الشعبية الفاعلة التي يقصدها هي طوابير موظفي الحكومة يوم الانتخابات، يأتون بالحافلات لينتخبوا من اختارته السلطة.
وحرية الرأي المسؤولة تعني حرية الموالين في التطبيل، بينما المعارض مكانه السجن أو المنفى أو القتل.
أما السلطة التشريعية التي "تمارس صلاحياتها" " فهي أشبه بمسرح عرائس: النواب يرفعون أيديهم جميعًا في اللحظة نفسها كأنهم يتلقون إشارة من المايسترو.
واستقلال القضاء، نكتة سمجة كبرى، حيث الحكم جاهز قبل أن يدخل المتهم قاعة المحكمة.
و "الآليات الوطنية لحقوق الإنسان" ليست سوى مكاتب مكيفة وظيفتها تخدير الخارج وإصدار بيانات وردية بينما المعتقلون يتعرضون للتعذيب.

أما "السلام والتسامح" فهي تلك العصا الأمنية التي تُلوِّح بها السلطة لكل من تسوِّل له نفسه الاعتراض.
و "الإعلام الوطني البارز" هو التلفزيون الرسمي الذي يكرر اسم الملك أكثر من أي كلمة أخرى.

باختصار، المسلم يصف البحرين وكأنها جنة ديمقراطية، بينما الواقع أنها جهنم سياسية، والفرق بين خطابه والواقع كالفرق بين صورة إعلان عن فندق خمس نجوم وغرفة رطبة فوق السطح.

المسلم والمصطلح: زواج مصلحة!

العلاقة بين أحمد المسلم ومصطلح الديمقراطية علاقة زواج مصلحة: هو يحتاجها ليبدو متحضّرًا أمام الكاميرات، وهي تحتاجه كواجهة محلية مشوّهة لتُستخدم كشعار. لكنه زواج بلا حب، بلا صدق. مجرد عقد ورقي، ينتهي بانتهاء الحاجة!

ديمقراطية بالريموت كنترول!

الديمقراطية الحقيقية تعني سلطة الشعب، سلطة البرلمان، استقلال القضاء، حرية الإعلام. أما ديمقراطية أحمد المسلم فهي نسخة "ريموت كنترول" ، يتحرك فيها النائب بالزر، يتكلم بالزر، يصفق بالزر. الديمقراطية هنا ليست حكم الشعب، بل حكم الريموت.

كوميديا سياسية!

حديث المسلم عن الديمقراطية يصلح لمسرحيات كوميدية هزلية سوداء. تخيل مشهدًا:: يجلس النائب خلف الميكروفون، يرفع إصبعه، يتحدث عن "صوت المواطن"، بينما المواطن الحقيقي في تلك اللحظة يتلقى استدعاء من مركز الشرطة لأنه غرد بكلمة. المشهد هزلي بامتياز.

مصطلح بلا معنى

كلمة "ديمقراطية" في فم المسلم لا معنى لها. مثل كلمة "حب" يرددها رجل لا يعرف إلا لغة العنف. مثل كلمة "عدالة" يلوكها قاضٍ يصدر الأحكام الجائرة. هي كلمة منفصلة عن مضمونها. مجرد غطاء لفظي لتغطية العجز والفضيحة.

اللعب على المفردات

المسلم يجيد لعبة المفردات:
   - "المشاركة" = المشاركة في التصفيق.
   -  "الحرية" = حرية النائب أن يكرر كلام الحكومة.
   - "المساءلة" = جلسات شكلية بلا محاسبة.
   - "حقوق الإنسان" = تقارير تُدفن في الأدراج.

بهذا الأسلوب يحول المصطلحات إلى علكة سياسية تمضغ بلا طعم.

الديمقراطية ككذبة متكررة

الكذب إذا تكرر قد يظنه البعض حقيقة، لكن في البحرين الكذبة مفضوحة مهما تكررت. الشعب خبر اللعبة وعرفها، يعرف أن الديمقراطية الحقيقية لا تأتي من فم نائب يدار بالريموت، ولا من برلمان مشلول، ولا من سلطة ترى في الشعب خصمًا لا شريكًا.

النكتة التي فقدت طراوتها

في التسعينات، حين بدأ الحديث الرسمي عن "الإصلاح والديمقراطية"، ربما انخدع البعض، ربما صدق البعض أن ثمة خطوة نحو المستقبل. لكن الآن، بعد كل التجارب، بعد حل الجمعيات، بعد سجن القادة، بعد القمع المتواصل، بعد تغول الدول البوليسية ؟
حديث المسلم عن الديمقراطية صار نكتة بايخة. النكتة إذا تكررت تفقد طراوتها، لكن النظام يصر أن يعيدها عبر ألسنة مثل المسلم.

كلمة الشعب مقابل كلمة النائب
   - كلمة الشعب: "أين الحرية؟ أين العدالة؟ أين المساواة؟"
   - كلمة المسلم: "نحن بخير، الديمقراطية راسخة"

بين الكلمتين مسافة عمر، مسافة دم، مسافة سجون ممتلئة. الشعب لا يجد صوته، بينما النائب يبيع ضميره من أجل ذلك الكرسي الرسمي.

الديمقراطية كأداة قمع

المفارقة أن الديمقراطية في لسان المسلم تُستخدم أداة قمع. فبدل أن تكون وسيلة تحرير، تحولت إلى غطاء شرعي للاستبداد.
يقول : لدينا ديمقراطية، إذن من يعارض هو ضد "الخيار الشعبي". هكذا تُقلب المعادلة: تُستخدم الكلمة العظيمة لإسكات أصحابها الحقيقيين.

أحمد المسلم حين يتحدث عن الديمقراطية، لا يحدثك عن قيم سياسية ولا عن تجربة شعبية، ولا عن تاريخه الثوري ونضاله ضد الاستبداد،
بل يقدّم عرضًا مسرحيًا هزليًا، يبيع لك وهمًا مفضوحًا. الديمقراطية في فمه مثل قناع بلاستيكي يُلبس على وجه ميت.

الشعب البحريني يعرف الحقيقة: الديمقراطية ليست في البرلمان المعلّب، ولا في خطابات النواب الممسوكين بخيوط خفية، بل في الشارع، في الصوت الحر، في الصمود أمام القمع؟

فليستمر المسلم في تكرار كلمته المفضلة، ولتكتب الصحف الرسمية عناوينها المضحكة. أما الشعب، فقد تجاوز مرحلة الضحك: صار يرى أن هذه النكتة البايخة لا تستحق حتى الابتسام.