البحرين والتطبيع: طعنة في الوجدان العربي وخيانة لا تُغتفر

2025-09-17 - 1:57 م

بقلم: د. جلال فيروز (*)

مرآة البحرين : لم يكن تطبيع حكومة البحرين مع الكيان الصهيوني خطوة عابرة في السياسة، بل كان منعطفاً خطيراً ما زالت الأمة كلها تدفع ثمنه. خمس سنوات مضت على تلك الاتفاقية المشؤومة، وإذا بالواقع يكشف أن ما جرى لم يكن سوى طعنة في خاصرة العروبة، وخيانة صريحة للقضية الفلسطينية التي تمثل جوهر الصراع في منطقتنا.

منذ ذلك اليوم الأسود، والكيان الصهيوني يواصل جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ولا سيما في غزة المحاصرة. لم يتوقف عن القتل والاعتداء، ولم يبدِ أي نية لسلام عادل أو حتى هدنة إنسانية. ومع ذلك، اختارت الحكومة في المنامة أن تمد اليد لهذا العدو، لتفتح أمامه أبواب البلاد، وتمنحه شرعية لا يستحقها. فأي مكسب جناه البحرينيون من هذا التطبيع؟ لا ازدهار اقتصادي، ولا أمن سياسي، ولا احترام دولي. وحدها الخسارة هي النتيجة.


السفير الصهيوني: استفزاز جديد

اليوم يتجدد الجرح مع تعيين سفير صهيوني جديد في البحرين. هذا القرار لم يمر مرور الكرام؛ فقد خرجت التظاهرات الشعبية تعلن رفضها الصريح، وتؤكد أن الشعب البحريني لم ولن يقبل بوجود ممثل للعدو على أرضه، فما كان من السلطات إلا قمعها بقوات ضخمة واعتقال بعض المتظاهرين. تلك الاحتجاجات هي شهادة على أن التطبيع قرار مفروض من فوق، ولا يمثل الإرادة الشعبية.

هل يظن أحد أن وجود سفير صهيوني في المنامة سيحمي البلاد من الاعتداءات؟ الوقائع تثبت العكس. فالكيان لم يتوقف عن تهديداته وخروقاته حتى لدول لم تطبع معه، كما حدث مؤخراً مع قطر. هذا كيان لا يعرف إلا منطق القوة، ولا يرى في العرب سوى فرائس يسهل الانقضاض عليها.


خيانة لفلسطين وللأمة

التطبيع مع الكيان لا يمكن أن يُفهم إلا باعتباره خيانة لفلسطين، وتواطؤاً في حصار غزة وتجويع أهلها. لا سلام مع من يهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، ولا مبرر أخلاقي لمد اليد إلى من تلطخت يداه بدماء الأطفال والنساء. من يطبع معه يغدر بفلسطين، ويمنح الشرعية لاحتلال قائم على العدوان والاستيطان.

لقد أثبتت التجربة أن الشعوب أوعى من حكوماتها، وأن رفض البحرينيين لهذا التطبيع يعبّر عن نبض الأمة كلها. لكن هذا الموقف يحتاج إلى إسناد من المفكرين والناشطين والهيئات العربية والإسلامية، عبر كل أشكال الضغط الممكنة: السياسية والإعلامية والشعبية. فالمطلوب اليوم واضح: طرد السفير الصهيوني فوراً، وإلغاء الاتفاقية التي لا تعكس سوى خيانة عظمى.

البحرين بتاريخها العريق وانتمائها العربي الأصيل أكبر من أن تختزل في توقيع سياسي جائر. التطبيع لم يجلب إلا العار، وأرض البحرين تستحق أن تُطهّر من هذا الدنس. وعلى الأمة كلها أن تتحمل مسؤوليتها: فلا تترك البحرين وحدها في مواجهة هذه الخيانة، بل تتحرك بما يلزم للضغط حتى يُطوى هذا الملف المشؤوم، ويعود للبحرين وجهها العربي والإسلامي المشرق.

(*) أكاديمي وكاتب بحريني