فوز مُعاد إنتاجه: عيسى الشايجي وجمعية الصحفيين بين التزكية والوصاية السياسية

2025-09-10 - 11:25 ص

مرآة البحرين: حين تُعلن الصحافة الرسمية في البحرين فوز رئيس تحرير صحيفة الأيام، الأستاذ عيسى الشايجي، برئاسة جمعية الصحفيين البحرينية لدورة جديدة بالتزكية، يتبادر للذهن سؤال جوهري: هل نحن أمام انتخابات حقيقية تعبّر عن إرادة الصحفيين؟ أم أننا أمام مشهد مُعاد إنتاجه، تتحكم فيه السلطة كما اعتادت أن تتحكم في كل مفصل من مفاصل الحياة العامة؟ بالنسبة لمعارض بحريني، الجواب واضح: ما يحدث ليس سوى فصل جديد في مسرحية طويلة، عنوانها تقييد المجتمع المدني وربطه بخيوط النظام.

جمعية بلا استقلال

منذ تأسيس جمعية الصحفيين البحرينية عام 2000، لم تُترك لتكون بيتًا حقيقيًا للصحفيين، بل جرى تدجينها وربطها بوزارة الإعلام وأجهزة الدولة. الجمعية التي يُفترض أن تدافع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين تحوّلت إلى واجهة رسمية، تبارك سياسات الدولة، وتغطي على الانتهاكات، وتمنح الشرعية لقوانين تقمع الكلمة وتضيّق الخناق على الرأي المستقل.

حين نقرأ خبر فوز الشايجي (بالتزكية) نفهم أن الجمعية لا تُمارس الديمقراطية الداخلية بقدر ما تعيد إنتاج الولاء، فغياب المنافسين ليس علامة رضا، بل انعكاس لواقع مُرّ: لا أحد يجرؤ على الترشح ضد مرشح مدعوم من السلطة، ولا أحد يتوقع أن يُسمح بفوز صوت معارض أو مستقل.


التزكية أداة لإلغاء الإرادة

في عالم السياسة والانتخابات الحرة، التزكية قد تُفهم كدليل على إجماع واسع. لكن في البحرين، التزكية صارت أداة لإلغاء التعددية، وإظهار المشهد وكأنه متفق عليه، والواقع أن هذا الاتفاق ليس سوى نتيجة للترهيب والترويض! الصحفيون الذين لا يرضخون، يُقصَون أو يُحارَبون في أرزاقهم، فيما يترك المجال فقط للأسماء المضمونة.

فوز الشايجي للمرة الثانية على التوالي لا يمكن قراءته كنجاح شخصي بقدر ما هو تكريس لبقاء الجمعية رهينة لشخص واحد وفريق واحد ونهج واحد، متماهٍ مع السلطة حتى النخاع!


صحيفة الأيام ودورها

من المهم التذكير أن صحيفة الأيام التي يرأس تحريرها الشايجي ليست صحيفة مستقلة، بل من أبرز المنابر التي انخرطت في حملة التحريض ضد الحراك الشعبي منذ 2011، وكانت واجهة لتبرير القمع والتشويه الإعلامي ضد المعارضة.
حين يرأس رئيس تحرير هذه الصحيفة جمعية الصحفيين، فهذا يعني عمليًا أن الجمعية أُلحقت بالكامل بخطاب النظام، وفقدت أي مساحة للحياد أو الدفاع عن المهنة.

ماذا عن الصحفيين المستقلين؟

الصحفيون الذين حاولوا رفع صوت مختلف، سواء في الصحافة المحلية أو عبر المنصات الرقمية، وجدوا أنفسهم بين الاعتقال والملاحقة أو الإقصاء. كثير من الأسماء البحرينية البارزة في الإعلام اضطرت إلى المنفى أو الصمت. فكيف نتوقع أن تظهر منافسة حقيقية في انتخابات جمعية الصحفيين، بينما البيئة كلها مختنقة وتحت السيطرة الأمنية.


معايير مزدوجة؟

من المفارقات أن الجمعية تصدر بين فترة وأخرى بيانات عن '"دعم حرية الصحافة" ، لكنها تتجاهل أكبر الملفات: اعتقال الصحفيين، إغلاق الصحف المستقلة (الوسط مثالًا صارخًا عام 2017)، ملاحقة المدونين، والتحكم في التراخيص. كيف يمكن لجمعية يرأسها الشايجي أن تدافع عن حرية الصحافة، بينما هو نفسه يمثل خطًا رسميًا يبرر القمع.


المعارضة وغياب الصوت البديل

المشكلة ليست في شخص الشايجي وحده، بل في البنية كلها: جمعيات المجتمع المدني تحولت إلى كيانات شكلية بلا روح. يُمنع قيام جمعيات صحفية حقيقية بديلة، كما تُمنع المعارضة من تأسيس منابر إعلامية شرعية داخل البحرين. ما يجري إذن ليس منافسة انتخابية، بل إعادة تدوير لنفس الأسماء التي يرضى عنها النظام.


الرسائل السياسية وراء الفوز

هذا الفوز يحمل أكثر من رسالة:
1. للمجتمع الدولي: أن هناك انتخابات وجمعيات ومجتمع مدني (حيّ) بينما الحقيقة عكس ذلك.
2. للصحفيين المحليين: أن أي محاولة للخروج عن الخط الرسمي ستُفشل أو تُقمع.
3. للمعارضة: أن النظام ماضٍ في إحكام السيطرة على الفضاء الإعلامي، ولن يترك مساحة لخصومه.

نحو بديل حقيقي

المعارضة البحرينية مدعوة لتفكيك هذه الواجهة، وعدم الانجرار وراء الخطاب الرسمي الذي يروّج لفكرة أن هناك جمعية تمثل الصحفيين. البديل الحقيقي هو تأسيس منصات وصحف مستقلة في المنفى، أو عبر الإعلام الرقمي، تفضح الواقع وتنقل صوت الناس بعيدًا عن رقابة الدولة.

فوز عيسى الشايجي برئاسة جمعية الصحفيين ليس خبرًا عابرًا، بل شاهد جديد على كيفية إدارة النظام للمجتمع المدني: انتخابات بلا منافسة، جمعيات بلا استقلال، رؤساء بلا شرعية حقيقية.
بالنسبة للمعارضين، هذا ليس فوزًا صحفيًا بل إعادة إنتاج للهزيمة الوطنية: هزيمة حرية الكلمة، واستمرار احتكار النظام لكل منبر.

إن الصحافة الحرة لن تُبنى بانتخابات صورية ولا بتزكية مفروضة، بل بوجود مجتمع حيّ، ونظام يحترم التعددية، وجرأة تقول للسلطة: (لا). وحتى ذلك الحين، ستظل جمعية الصحفيين شاهدًا على غياب الصحافة الحرة، وليس كونها حامية لها.