مملكة الريتويت!

2025-09-05 - 12:27 ص

مرآة البحرين : في البحرين، لا حاجة لحكومة تُفكّر كثيرًا، فقط نحتاج حكومة تُجيد الضغط على زر ريتويت. فما الحاجة للتخطيط والاجتهاد والمسؤولية عند توفر سياسة النسخ واللصق؟
فبالإمكان إعادة نشر تغريدة رسمية عبر حسابات الوزارات، مع تزيَّينها بابتسامة بروتوكولية لوزير لا يملك حتى مفاتيح مكتبه!

هكذا تُدار الدولة:
ميزانية؟ ريتويت لاقتراح من صندوق النقد.
إصلاح؟ ريتويت لتجربة مطبّقة في بلد آخر قبل عقد.
تطبيع؟ ريتويت لما قررته أبوظبي، لتردده المنامة بصياغة بيروقراطية.
قانون جديد؟ ريتويت لنظام سعودي معدّل.
قمع؟ ريتويت لأجهزة أمنية تقترح، وتنفّذ، والحكومة تُغرد لاحقًا على وقع (هيبة الدولة).

السلطة في البحرين لا تحكم بقدر ما تُعيد نشر ما يُملى عليها. حتى أن أغلب القرارات المصيرية تُتخذ خارج الحدود، ثم تُصدَّر إلينا على شكل خبر عاجل في وكالة الأنباء، أو بيان باهت من مكتب مستشار إعلامي لا يعرف الفرق بين التمكين والتحكم!

الردود الرسمية .. ريتويت مؤبد:
(البحرين ماضية في مسار الإصلاح والديمقراطية بقيادة جلالة الملك حفظه الله)
جملة جاهزة، تُستخدم للرد على تقرير منظمة العفو، أو شكوى سجين، أو حتى خبر استشهاد معارض. كل ما يتغير هو التاريخ والتوقيع!

تخرج تقارير دولية تُدين التعذيب؟
الرد: ريتويت لبيان وزارة الداخلية مع عبارة (نرفض الاتهامات جملة وتفصيلًا).
تشتكي الأمم المتحدة من تغييب الحريات؟
الرد: ريتويت لمراسَلة قديمة من وزارة الخارجية تم إعادة تسويقها وكأنها وُلدت من جديد: "البحرين نموذج ديمقراطي".

أما المجلس النيابي.. فهو مجلس ريتويت بامتياز.
إذا قال الملك: (هذا عام الإنجازات) صاح النواب: (عام، عام الإنجازات!)
إذا قال الوزير: (الخطة طموحة)، ردّوا: نعم، طموحة جدًا!
لا أحد يُشرّع، لا أحد يُراقب، لا أحد يُحاسب ، ولا يعطس أحد بإرادته.
فقط يُعيدون التغريد لمن بيده القرار.

والأدهى، أن السلطة تريد من المواطن أن يكون مثلها:
لا تُفكّر، لا تُقارن، لا تسأل، فقط شارك، صفّق، وغرّد. وفق مسطرة العائلة الحاكمة.
(أعمل روحك ميت) شعار غير مكتوب، لكنه نافذ في كل زوايا الحياة.

من زمان، لم يكن حكّام البحرين يكتبون التاريخ، بل ينتظرون ما يُكتب في العواصم الأكبر، ليُعيدوا نشره عبر خطب الجمعة، ونشرات الأخبار، وحتى ضمن المناهج الدراسية.

لكن أيها الحاكم:
الشعوب لا تُدار بزر ريتويت ..
والشرعية لا تُبنى بإعادة نشر صورة الملك في زيارة مدرسية. ..
والدولة التي تُعيد تغريد كل شيء، ستفقد في النهاية قدرتها على قول أي شيء.


أيها الحاكم:
لا تُبنى شرعية بتغريدة مزخرفة بصورة الملك يقصّ شريط افتتاح ..
ولا تُصنع دولة ببيانٍ يتيمٍ كُتب على عجل في مكتب مستشار لا يعرف حتى لون تراب هذا الوطن!