الأرشيف الوطني يشغل الدولة: الذاكرة كما يريدها آل خليفة

2025-09-02 - 9:47 م
مرآة البحرين : خلال هذه السنة، صدر مرسومان ملكيّان حتى الآن يستهدفان تنظيم مركز الأرشيف الوطني في البحرين.
في نيسان/أبريل 2025، أصدر الملك حمد بن عيسى آل خليفة المرسوم رقم 22 للسنة الجارية بتنظيم مركز الأرشيف الوطني.
بحسب المرسوم، يتولّى تنظيم الأرشيف مجلس أمناء مركز الأرشيف الوطني ويتبعه رئيس مركز الأرشيف الوطني، ثمّ تتبعه إدارة الوثائق والمحفوظات، وإدارة البحوث والخدمات المعرفية.
في آب/أغسطس 2025، صدر أيضًا مرسومٌ ثانٍ عن الملك ينصّ على تشكيل مجلس أمناء مركز الأرشيف الوطني برئاسة وزير الشؤون العامة بالديوان الملكي، وعضوية كُل من وزير شؤون مجلس الوزراء (نائبًا للرئيس)، ووزير التنمية الاجتماعية، وممثل عن مركز الأرشيف الملكي، ورئيس مركز الأرشيف الوطني، والأمين العام المساعد للمعلومات وإدارة الجلسات بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، وعبد الغني علي صالح عبدالله.
كان هذا تتويجًا مُتأخّرًا ربّما لمرسوم إنشاء المركز عام 2022. حينها، أوضح الملك في مرسومه أن الهدف جمع الوثائق والمحفوظات العامة والتاريخية التي تختصّ بتاريخ البحرين وإبراز قيمتها التاريخية والإشراف على حفظها وأرشفتها وفقًا للأصول العلمية في الأرشفة، والعمل على تنظيم تداولها للباحثين وغيرهم من الراغبين في الاستفادة منها، وذلك بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا الشأن.
وفق المرسوم نفسه، يختصُّ المركز بجمْع الوثائق والمحفوظات بكافة وسائلها وتصنيفها وفهرستها، وإعداد البيانات والإرشادات عنها، وتنظيم تداولها، والعمل على حماية الوثائق والمحفوظات من عوامل التَّلَف، وإصلاح وترميم ما قد يعتريها من تلف، واستخدام إجراءات ووسائل الصيانة والسلامة اللازمة لذلك، وتوفير البيانات والمعلومات عن الوثائق والمحفوظات وإتاحة مجالات البحث للباحثين وغيرهم من الراغبين في الاستفادة من المادة المعلوماتية التي يقتنيها المركز، واقتراح معايير الأرشفة للوثائق والمحفوظات، وتنظيم الندوات والمؤتمرات والبرامج التدريبية وورش العمل التي ترتبط بأهداف المركز، أو المشاركة في أيٍّ منها، وذلك بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية.
التاريخ لخدمة العائلة الحاكمة
عند التمعّن في هذه الحركة الصادرة عن ملك البلاد، يتلمّس الكثير من البحرينيين أن الدولة تسعى الى التحّكم بالمشهد الشامل في البحرين، ليس السياسي والاقتصادي والأمني، بل التاريخي والثقافي. وهنا بيتُ القصيد اليوم. المسألة بالنسبة لآل خليفة حسّاسة وفائقة الأهمية، فهذه العملية يجب أن تُشرف عليها أدواتهم الموالية لهم بما يخدم مصالحهم في تكريس سردية ملائمة في الذاكرة الوطنية.
الجهد واضحٌ ومكشوفٌ من أجل ضمان السيطرة على صيغ السرد التاريخي الرسمي كما يُراد له أن يُكتب، وتوجيه الباحثين والمواطنين نحو المصادر التي توافق رواية العائلة الحاكمة، من دون انفتاح حقيقي على روايات متعددة أو حقيقية ومهنية. الدولة تتوجّس من تسريب وثائق يمكن أن تتعارض ومصلحتها، كما تهاب أن يتضمّن السرد التاريخي ممارسات أمنية أو سياسية سابقة مثيرة للجدل، حتى انتهاكاتها من خلال وثائق الأرشيف أو عمليات تصدّيها لكلّ الأصوات التي تعارضها، أقلّه في التاريخ الحديث للبحرين.
لهذا هناك من هو على يقين بأن السلطة مُنشغلة، رغم كلّ اهتماماتها، بتقديم أرشيف وطني خالٍ من أيّ تفصيل أو رواية تتعرّض للعائلة الحاكمة، أو تسيء إلى "قدسيّتها". الغاية تقديم ذاكرة بحرينية لا تذكر الشخصيات التي كتبت تاريخ البلد، وناضلت وقدّمت وضحّت من أجله، فقط تلك التي تمثّل الأسرة الحاكمة.
المخاوف
سلسلة مخاوف إذًا تتحكّم بأداء الدولة ومراجعها التي ستحفظ تاريخ المملكة بما يُناسبها وستعمل كثيرًا على محوْها كي لا تظلّ هاجسها في هذه العملية، لعلّ أهمّها:
* كشف انتهاكات الماضي: انتفاضات، احتجاجات، تقارير أمنية، محاكمات، مراسلات سرية. هذه الوثائق، إذا وُضعت في متناول الباحثين أو الرأي العام، قد تكشف مسؤوليات رسمية عن قمع سياسي أو انتهاكات حقوقية، ما قد يُستخدم ضد الدولة داخليًا وخارجيًا.
* تقويض الرواية الرسمية للتاريخ عبر تقديم صورة متماسكة عن التاريخ الوطني تدور حول الدولة والقيادة، ولذا ستعمل على طمس أيّة عرائض معارضة، وثائق بريطانية عن فترة الاستعمار، ملفات عن الحركات العمالية والطلابية، تناقض السرد الرسمي.
* تسريبات كاتفاقيات أمنية أو عسكرية أو دبلوماسية غير مُعلنة، إذا كُشفت ستُسبّب إحراجًا وربما مساءلة سياسية.
* تدويل قضية الحقوق والحريات، ولذلك ستسعى لتخبئة أيّة وثائق رسمية مرتبطة بالتحقيقات في التعذيب، أو أوامر إدارية مرتبطة بحرمان سياسيين من حقوقهم.
* تجاوز مرحلة التسعينات والانتفاضة التي عاشتها البحرين، وكذلك بالنسبة لحراك 2011 وأحداثه، ما يُدين السلطة سياسيًا وحقوقيًا وإنسانيًا.
وعليه، يُطرح سؤال متى سيتطّلع المواطنون على هذه العملية المدروسة والمحبوكة جيّدًا؟ وهل سيكون بمقدورهم عرض ملاحظاتهم عليها؟
- 2025-09-01اجتماع الزياني والسفير الجديد للعدو.. جريمة التطبيع مستمرة
- 2025-08-28حقوق السجناء.. المعاناة المفتوحة
- 2025-08-28فقر بلا ضجيج: حين يُدار الفقر كأداة لضبط المجتمع
- 2025-08-26جمعية صحافيي البلاط.. غيابٌ للمهنية وتجديدٌ للصورة الواحدة
- 2025-08-25مملكة الفوتوشوب: مشاريع الحكومة من شاشة العرض إلى ثلاجة الأرشيف