من يراقب الصناديق؟ الجمعيات الخيرية بين التضييق الرسمي والاختراق الأمني

محمد البناء - 2025-08-31 - 4:46 ص
مرآة البحرين : في البحرين، كل صندوق فيه خير مرصود. وكل يد تمتد بالمعونة تُسحب. وكل جمعية تنوي فعل المعروف تُستدعى للتحقيق.
سؤال بسيط ومُلحّ: من يراقب صناديق الجمعيات الخيرية؟
الجواب الرسمي: الدولة.
الجواب الواقعي: جهاز الأمن، وأخوه في الظل، والموظف المتربص في مكتب متابعة الجهات الأهلية بوزارة التنمية الاجتماعية، وكل من لا علاقة له بالعمل الخيري من قريب ولا بعيد.
الجمعيات الخيرية في البحرين أصبحت مثل الخروف الأبيض وسط غابة رمادية: كل من يراه، يشك فيه. كل من يسمع عنه، يكتب تقريرًا. وكل من يحاول أن يطعمه، يُتهم بالتمويل غير المشروع.
كانت هذه الجمعيات، منذ عقود، الرئة التي يتنفس بها الفقير، والصدر الذي يحتمي فيه اليتيم، والطاولة التي لا يُردّ فيها محتاج. واليوم؟ أصبحت محل شبهة، تُفتش دفاترها أكثر مما تُفتح ملفات الفساد في الشركات الكبرى.
تخيل أن جمعية تقوم بحملة لجمع تبرعات لإصلاح منازل متضررة فتأتيها رسالة من جهة رسمية:
نرجو تزويدنا بأسماء المتبرعين، والمبلغ المحصّل، والمنازل المستهدفة، وخريطة الحي، وأسماء الجيران، ومَن صلى خلف الإمام هذا الأسبوع.
الهوس الأمني لا يرحم.
أصبحت الجمعيات الخيرية تُدار كما تُدار غرف التحقيق:
- لماذا دُفعت 50 دينارًا لهذه الأرملة؟
- من هو هذا العاطل عن العمل؟ وهل هو فعلاً عاطل أم مُتستر؟
- ولماذا يتكرر اسم الحاج أحمد في قائمة التبرعات؟ هل هو اسم حركي؟!
في ظل هذا الجنون، بدأ التجفيف. لا تمويل خارجي (لأنك تتلقى دعمًا مشبوهًا)، ولا داخلي (لأنك تجمع دون ترخيص)، ولا زكاة (لأنها تُوجه لأجندات).
حتى الجمعيات التي كانت تُشرف على توزيع لحوم الأضاحي، صار يُطلب منها تقرير مفصّل يثبت أن الخروف لم يكن له انتماء سياسي!
بعض الجمعيات اليوم، لا تجرؤ على فتح حساب بنكي. وبعضها تُجمد أموالها في منتصف حملة شهر رمضان، وتُرسل رسالة: نأسف، تم تجميد الحساب للاشتباه في نشاط غير مصرح به.
ما هو النشاط؟ توزيع سلال غذائية!
أما عن الاختراق الأمني فحدّث ولا حرج.
كل جمعية خُيّرَت: إما أن تقبل مندوبًا أمنيًا في مجلس إدارتها، أو تُجمد، أو تُحل، أو يُدفع أحد الأعضاء للمغادرة اختياريًا بعد جلسة ودّية في مبنى الوزارة.
وهكذا أصبح منسق الأنشطة الصيفية هو نفسه من ينسق تقارير التبرعات لمكتب مكافحة غسيل الأموال.
الضحايا؟ المواطن الفقير. الأرملة. الطالب الذي يحلم بمنحة. الأسرة التي تنتظر دفع إيجار.
أما المستفيد؟ منظومة تشك في الجميع، ولا تثق إلا في نفسها.
نظام يريد أن يذلّ المواطن حتى في صدقته، أن يحول العطاء إلى جريمة، أن يجعل من التبرع عملاً مشبوهاً، ومن الإنفاق في سبيل الله تحويلاً غير قانوني.
في البحرين، حتى الجمعيات الخيرية تحتاج إلى إذن أمني لفعل الخير.
أما بعض الجمعيات المقرّبة فتفعل ما تشاء. تنظم معارض فخمة، توزع الشوكولا باسم التكافل، وتلتقط الصور أمام كاميرات الوزارة، وتُمنح جوائز الشفافية من نفس الجهة التي تحظر توزيع التمور في مناطق المعارضة.
وفي النهاية، نقولها بمرارة:
في بلادنا، من يُحسن يُراقب، ومن يسرق يُكرم.
ومن يفتح صندوقًا خيريًا، يُتهم بالإرهاب.
ومن يغلق صندوق الوطن على أصحابه، يُكتب اسمه على لافتة الشارع الجديد.
- 2025-08-20البحرين: مملكة الخوف والمرايا المُشققة
- 2025-08-17تغييب يوم 14 أغسطس في البحرين .. جريمة سياسية لإخفاء الاستقلال الحقيقي وتفكيك الوحدة الوطنية
- 2025-08-07قراءة في رؤية إبراهيم شريف للمخاطر المحدقة بالبحرين
- 2025-08-03من يدفع الضريبة حقاً: البحرين بين التقشف للفقراء والرخاء للحيتان
- 2025-08-03تخاريف علي الصالح