البحرين: مملكة الخوف والمرايا المُشققة

محمد البناء - 2025-08-20 - 10:04 م
مرآة البحرين : في زاوية صغيرة من خارطة الخليج، تتربع مملكة لا يزيد حجمها عن حي متوسط في دولة كبرى، لكنها تنجح بامتياز في تقديم نفسها كأطول سلسلة رعب سياسي في المنطقة نسخة محدثة من كتاب كيف تُمسك الدولة من رقبتها وتكمم فم الشعب بيد واحدة.
مرحبًا بك في البحرين، حيث السلطة ليست فوق القانون، بل هي القانون، والتشريع، والنيابة، والقاضي، والمخبر... والمذيع الرسمي الذي يخبرك كل مساء أن الأمور تسير على خير ما يُرام ، رغم أن نصف الشعب في الزنازين والنصف الآخر في المنفى أو الكتمان.
الملك الذي لا تغيب عن يده مفاتيح الدولة
في النظم الملكية الحديثة، يُقال إن الملك يملك ولا يحكم. أما في البحرين فالملك يملك، ويحكم، ويعين، ويقيل، ويُشرّع، ويُحلّ، ويُغني أيضًا لو أراد.
يُعين الحكومة بغمزة عين، ويُقيلها قبل أن يبرد كرسي الوزير. ينفخ الحياة في البرلمان، ثم يفرّغه من مضمونه بمجلس شورى شور له لا عليك. يُجمّد القوانين، أو يصدر بدائلها في مرسوم فوري أسرع من بيتزا التوصيل.
في البحرين، الملك لا يُراقب، بل هو من يُراقب، والكل تحت نظره، بما فيهم المواطن وهو في نومه.
لا شعب في هذه الدولة فقط مواطنون قيد التهميش. منذ دستور المنحة عام 2002، لم يعد المواطن مصدر الشرعية، بل مجرد عنصر ثانوي في ديكور الانتخابات.
المعارضة أُخرجت من المشهد مثل مشاهد تم حذفها لكونها غير مناسبة للعائلة ، الجمعيات السياسية تم حلّها كما تُحلّ مسألة رياضيات مزعجة.
السجون أصبحت وزارات داخلية مصغّرة ، تستقبل كل من يرفع حاجبه اعتراضًا.
والجنسيات تُسحب مثل بطاقات الهاتف المنتهية، لأسباب أمنية طبعًا أو مزاجية.
الأمن بديل العدالة: الدولة التي تحكمها العُصي بدل القوانين
في البحرين، المحاكم ليست قِلاعًا للعدل، بل دهاليز أمنية:
• المدنيون يُحاكمون في محاكم عسكرية كأنهم متهمون في انقلاب غامض.
• التعذيب أكده تقرير بسيوني سنة 2011، ثم قررت الدولة أن التقرير نفسه يُحاكم بتهمة التحريض.
• جهاز الأمن يعمل بلا سقف قانوني، سقفه الوحيد هو الولاء.
هنا، تُصبح العدالة مجرّد شعار مطبوع على مدخل المحكمة، كزينة لا تُمسّ.
اقتصاد العائلة: خزائن الدولة في جيب الثقة الملكي
الثروة في البحرين تُدار وكأنها مزرعة خاصة:
• النفط؟ في عهدة ممتلكات القصر.
• المشاريع؟ توزع على شركات مقرّبة من ولي النعمة.
• الميزانية؟ تُنشر بلغة لا يفهمها سوى مترجم موالي.
• المواطن؟ يُستدعى فقط عند الحاجة لـ (تحمّل الإجراءات الاقتصادية الضرورية)
المضحك المبكي، حين يُطلب من المواطن دفع الضريبة، ويُحرَم في الوقت ذاته من أبسط حق في مساءلة من يسرق ثروته!
وهم الإصلاح: عرض مسرحي من فصل واحد
كلما اشتد القمع، رفعت السلطة لافتة الإصلاح
لكن الإصلاح في البحرين يُشبه الصيانة المؤقتة لعمارة آيلة للسقوط :
• انتخابات مفصلة مسبقًا، مثل بدلة رسمية تُفصّل على مقاس السلطة فقط.
• حوارات وطنية تشبه مونولوجًا حكوميًا مملًا.
• تعيينات مجلس الشورى مثل اختيار موظفي العلاقات العامة في شركة خاصة.
• برلمان منزوع الصلاحيات، أقصى إنجازه هو التصفيق والموافقة.
من دولة إلى مملكة بوليسية ومن سياسة إلى طاعة
الدولة الحديثة غابت في البحرين. ما لدينا هو تحالف بين الأمن، والولاء، والمخابرات، ونسخة قديمة من العصا لمن عصى
الرسالة الرسمية هي: صوتك خطر، وحقوقك رفاهية، والمقاومة تهمة حتى يثبت العكس في محضر التحقيق.
لكن هل تدوم هذه المعادلة؟
التاريخ لا يُحب الممالك التي تبني حكمها على الخوف. وكل دولة تنكر شعبها، إما أن تصغي لصوته أو تسمع دويّه حين ينفجر.
- 2025-08-17يوم 14 أغسطس في البحرين .. جريمة سياسية لإخفاء الاستقلال الحقيقي وتفكيك الوحدة الوطنية
- 2025-08-07قراءة في رؤية إبراهيم شريف للمخاطر المحدقة بالبحرين
- 2025-08-03من يدفع الضريبة حقاً: البحرين بين التقشف للفقراء والرخاء للحيتان
- 2025-08-03تخاريف علي الصالح
- 2025-08-03هل يتبلور عند النخب الخليجية فهما مختلفاً للأمن القومي ؟