النظام البحريني وشهيةٌ مستجدّة على فلسطين: دبلوماسية المراوغة

2025-08-17 - 5:36 م

مرآة البحرين : تستكمل الدولة في البحرين مسرحية الانفصام أو فصول الأداء الانفصامي. نعْت الشعب الفلسطيني أو الدولة الفلسطينية بالشقيقة ليس سوى هراءٌ رسمي من النظام الحاكم، فحقيقة الأمور في مكان آخر.

يقول الخبر إن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء سلمان بن حمد استقبل سفير الكيان الصهيوني آيتان نائي، وذلك بمناسبة انتهاء فترة عمله كسفير لبلاده لدى المملكة.

وخلال اللقاء، أكد سلمان بن حمد دور القنوات الدبلوماسية في تفعيل الحوار البناء، بما يسهم في ترسيخ ركائز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم، وجدّد موقف البحرين الثابت والداعم للقضية الفلسطينية، وضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وأهمية وقف التصعيد وحماية المدنيين وإطلاق سراح "الرهائن والمحتجزين" (الأسرى الصهاينة)، إلى جانب استمرار جهود الإغاثة في غزة، مُشيدًا بالدور الإنساني الفاعل الذي تضطلع به الدول الشقيقة والصديقة في هذا السياق.

الكثير من المراقبين رأوا في اللقاء تسخيفًا للقضية برمّتها ولعقول من يقرأ الخبر، وتساءلوا كيف يمكن أن يتم اللقاء في الأصل في ظل استفحال الازمة الإنسانية في قطاع غزة؟ أليس هناك من خجلٍ أمام كل الكارثة والمجزرة المتواصلة التي ترتكبها يوميا "إسرائيل"؟

ثمّة من يرى أن اللقاء كان مناسبة لإبلاغ الجانب الصهيوني بإمكانية إدخال مساعدات غذائية للقطاع، بمعنى استئذانه وأخذ خاطره قبل الشروع بهذه الخطوة، حتى لا ينزعج حليف النظام الخليفي وقاتل الفلسطينيين.

المشهد يعبّر عن عُمق التناقض وانفصام الخطاب الرسمي، تستقبل البحرين سفير الاحتلال بكل حفاوة، فيما لا تنفكّ تصريحاتها الرسمية تُغرق المنابر المحلية بالحديث عن الالتزام الثابت بالقضية الفلسطينية والوجع العربي من معاناة الشعب الفلسطيني.

مفارقةٌ صارخة تُعبّر عن حالة من التناقض السياسي والأخلاقي لا يمكن تبريرها بأيّة ذرائع دبلوماسية أو استراتيجية. أمّا التشديد على موضوع وقف التصعيد فهو طبعًا موقف صُوَري لا يخرج عن إطار المسايرة العربية التي تلازم خطاب الأنظمة العربية المتخاذلة، والتي تخشى تحميل العدو الصهيوني المسؤولية.

وبالمناسبة، هناك من يسأل "ماذا حقّق هذا السفير خلال فترة ولايته في البحرين؟ ولماذا كان أشبه بـ"الضمير المستتر" طيلة هذه المدّة؟ وما جدوى تبديله؟ وهل هناك فعلًا حاجة لسفير جديد آخر يقوم بمهام لا يستطيع السفير القديم القيام بها؟

اللافت أن الملك حمد بن عيسى، وبعد يوم بالتمام والكمال، استقبل السفير الفلسطيني في المنامة طه محمد عبد القادر، ثمّ أجرى اتصالًا هاتفيًا برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

شهيّةٌ مفتوحة على فلسطين بشكل مفاجئ، في خطوة يبدو أنها تستهدف إظهار أداء يوازن بين المحتلّ وأصحاب الأرض، أي يساوي بينهما، بمعزل عمّا يمثّله محمود عباس للشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة.

هو استقبالٌ تقصّد تجميل التناقض، ولم ينمّ عن سياسة توازن مدروسة، بقدر ما كانت محاولة يائسة لاحتواء النقد والامتعاض الشعبي من الانغماس العلني في التطبيع، خصوصًا في ظل العدوان "الإسرائيلي" المستمر على الفلسطينيين، وتوقيت اللقاء الذي جاء متزامنًا مع تصعيدٍ في الضفة الغربية وغزة. جاء التحرك الملكي وكأنه ورقة تجميل، يُراد بها القول: "نحن لا ننسى فلسطين".

كذلك يحمل اتصال الملك برئيس السلطة الفلسطينية رسالة موجّهة إلى المجتمع الدولي والمنظمات العربية: البحرين ما تزال ملتزمة بالقضية الفلسطينية، لكنه التزام لفظي لا يتجاوز حدود المجاملات، طالما أن علاقات التطبيع قائمة ومستمرة على أعلى المستويات.

بين استقبال سفير فلسطيني وتوطيد العلاقة بسفير الاحتلال، تعيش الدولة البحرينية حالة مراوغة سياسية مكشوفة، تهدف إلى الحفاظ على الصورة أمام الفلسطينيين، دون أن تغيّر شيئًا من تحالفاتها الجديدة. لكنها في الواقع تكرّس الانفصام، وتزيد من الفجوة بين الخطاب والواقع.