من يدفع الضريبة حقاً: البحرين بين التقشف للفقراء والرخاء للحيتان

محمد البناء - 2025-08-03 - 11:58 م
مرآة البحرين: في مشهد مألوف في البحرين، يُطل علينا النظام بوجه (الإصلاح الاقتصادي) ، لكنّه لا يُمسّ إلا جيب المواطن، بينما تبقى الثروات الكبرى والمصالح المحمية خارج أي محاسبة. فحين تتحدث السلطة عن أي الضريبة، فهي لا تعني أبدًا تقليص امتيازات العائلة الحاكمة أو وقف الهدر الفلكي في المشاريع الفاشلة، بل تعني: المزيد من العبء على المواطن، وصفر مساءلة للنافذين.
الضريبة: من الجيوب الفارغة إلى الخزائن المتخمة؟
نظام الضرائب في البحرين، سواء الضريبة المضافة أو المقترحة على الشركات متعددة الجنسيات، يُروّج له كوسيلة لإنقاذ الاقتصاد. لكن من يُتابع بُنية الاقتصاد البحريني يدرك أن الأزمة ليست في قلة الإيرادات، بل في كيفية توزيعها ومن يستحوذ عليها. نحن أمام اقتصاد تُديره الأقلية لصالح الأقلية.
فبينما يُطلب من المواطن العادي أن يصبر على ارتفاع الأسعار، و(يتفهم) أسباب التقشف، تُمنح الأراضي العامة لكبار التجار، وتُهدر الملايين على مشاريع شكلية. أين كانت الضرائب حين كانت الشركات الكبرى تهرّب الأرباح للخارج ؟ أين كانت العدالة حين خُصصت الشركات الكبرى لعوائل نافذة؟
المال العام: نهب منظّم لا خطأ إداري
الحديث عن سوء إدارة المال العام تلطيف خادع لحقيقة دامغة: نحن أمام منظومة تنهب البلد بشكل ممنهج. يُمنع ديوان الرقابة المالية من الاقتراب من ملفات حساسة، وتُقمع أي جهة حقوقية أو صحفية تحاول كشف المستور. وفي كل عام، نرى تقارير الرقابة تتحدث عن اختلاسات، مشاريع وهمية، ومليارات ضائعة، لكن: كم حوتًا أُحيل إلى المحاسبة؟ كم نافذًا حُرم من امتياز؟ لا أحد؟
الضريبة في ظل هذه المنظومة لا يمكن أن تُسمى إصلاحًا، بل يجب أن تُسمى بما هي عليه: (شرعنة السرقة من الفقراء لتمويل امتيازات الأغنياء).
التقشف للشعب والرخاء للحكم
منذ 2011، تم خفض الدعم عن الكهرباء، والمحروقات، والمواد الغذائية، وكل ذلك تحت شعار إصلاح الدعم. لكن في الوقت ذاته، لم يُمسّ دعم الوزارات السيادية، ولم تُخفّض ميزانيات الأجهزة الأمنية، ولم يُعاد النظر في ميزانية الديوان الملكي. بل جرى رفع رواتب الوزراء والنواب الذين لا يمثلون سوى أنفسهم.
في بلد يُمنع فيه الشعب من انتخاب حكومته أو مراقبة موازنته، لا يمكن القبول بفرض ضريبة دون أن تكون هناك سلطة حقيقية للشعب في تقرير المصير المالي للدولة.
الضريبة العادلة تبدأ من رأس الهرم
العدالة الضريبية الحقيقية تبدأ من مساءلة من يملكون السلطة والثروة، لا من جيوب الموظف والعامل. تبدأ من فتح ملفات نهب الأراضي، والسواحل وصفقات الأسلحة المشبوهة، وأموال الصناديق السيادية التي لا يُعرف عنها شيء.
أي إصلاح اقتصادي لا يبدأ من تفكيك منظومة الفساد السلطوي، فهو إصلاح زائف. وأي ضريبة لا تُفرض على من نهب البلد لعقود، هي ضريبة على الكرامة قبل أن تكون على الراتب.