ولي العهد البحريني وغياب الدولة

عباس الجمري - 2025-07-20 - 3:52 م
مرآة البحرين : حينما تغيب القرارات عن منضدة البرلمان، وتنحصر في العائلة الحاكمة، حينها فقط يمكن لسبعة عشر مليار دولار أن ترحل إلى الولايات المتحدة بعنوان الاستثمار. ولي العهد الذي زار واشنطن قبل أيام وأعلن من هناك استثمار هذا المبلغ الضخم -بالنسبة للبحرين- كان ممتلئاً بالثقة أنه لن يُحاسب من قبل المجلس النيابي، ولا حتى سيقرّع من قبل الصحف اليومية بالنقد ولا حتى بالسؤال.
فبينما ترزح عوائل بحرينية عديدة تحت خط الفقر، وتزداد طوابير الجامعيين العاطلين عن العمل، ويمضي التلاعب بصورة مكشوفة ببرامج "تمكين" للتوظيف من قبل الكثير من التجار الذين لهم علاقات شخصية برجالات الحكم، ويزداد الدين العام عاماً بعد عام، بينما يمر كل ذلك تحت مرأى ومسمع من السلطة، تتخذ القرارات الكبيرة بقرارات شخصية لا علاقة لها حتى بالوزراء أنفسهم.
أما لماذا يتم القفز على كل هذه الحزمة من التحديات الاقتصادية والهرولة للأمام في "الاستثمار" بمال وازن في الخارج، فإن السؤال يرتبط بماهية هذا الخارج، خصوصا مع هوية خاصة، كهوية "الترامبية" المجنونة والجامحة نحو المال.
شراء مزاج ترامب كونه رئيساً لأقوى دولة في العالم، لا يشكل رسوخاً جذرياً في الدولة التي تشتري أبداً، ولا يوفر لها الضمانة ببناء صلب لديمومة قوتها وتماسكها على المدى الطويل، والأهم من كل ذلك، لا يغذي مواطنيتها تجاه الحكم، خصوصاً وأن الأزمات الاقتصادية والسياسية تتقاذف عليها من كل حدب وصوب، بعضها من مشاكل داخلية لم تعالج، وبعضها متعلق بمشاكل الإقليم المتفاقمة.
من الحكمة تقليص الهوة بين القاعدة الشعبية والسلطة لا توسيعها وخلق الأسباب الإضافية إلى تجذيرها، على الأقل هذا ما هو متعارف عليه في تأسيس القوة الوطنية التي يمكن أن تصمد أمام مختلف التقلبات العالمية التي باتت أكثر مفاجأة من قبل على مستوى الكم والكيف.
زار المال المجنون
في زيارته الأخيرة للخليج، وتحديداً في شهر مايو، استطاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يجمع ما يقارب أربع تريليونات دولار من السعودية وقطر والإمارات كاستثمارات، وهو مبلغ فلكي ظل الرئيس الأمريكي يتغنى به أمام الصحفيين لأكثر من عشرة أيام، ببهجة لا تخلو من النشوة والغرور بوصفه قادراً على تعويض الخسائر التي منيت بها أمريكا في عهد سلفه جو بايدن بحسب ما يحلو له من تكرار لهذا التوصيف.
أربعة تريليونات دولار بمقدورها تعمير المنطقة بأكملها وبناء البنى التحتية فيها وإنشاء سكك حديد ومطارات، لكن هذا "الزار المالي" راح إلى ما وراء البحار شراءً لحماية ورضا الرجل الأبيض وتثميره تالياً في السياسة والأمن.
لم يكن بمقدور البحرين أن تشارك في ذلك "الزار" ليس لأنها لا تحب الرقص على وقع أوتاره، بل لأنها غير قادرة على المساهمة في شروطه، فكانت السبعة عشر مليار أغنية ولاء متأخرة، لتسجيل الحضور في إضبارات البيت الأبيض.
ألا يسأل الخليجيون، خصوصا الخاصرة الرخوة فيها "البحرين"، ما مصير الأمن الخليجي لو رحلت أمريكا؟ كيف يمكن تعويض كل الخسارات غير المحسوبة التي تصرف بمنطق "تقبيل الأنوف"، دون استراتيجية دفاعية ذاتية وقت الأزمات؟
هل سيرهن الخليج نفسه لدولة عظمى أخرى حال أفول قوة أمريكا؟ وهل سيظل يمدد عقود التبعية إلى سنوات متمادية؟
الكلمة المفتاحية هي الشعوب في هذه المعادلة المعقدة، والتي تنهي حالة الإدمان على الارتهان للخارج، فهل تستفيق المشيخات الخليجية إلى خطورة المستقبل الذي قد يكون قريباً؟