البحرين: الانتهاكات العاشورائية.. الحاجة لضمانات دستورية

باقر درويش - 2025-07-13 - 2:54 م

مرآة البحرين : على الرغم من أنَّ المادة (22) من دستور البحرين التي تنص على أنَّ "حرية الضمير مطلقة، وتكفل الدولة حرمة دور العبادة، وحرية القيام بشعائر الأديان والمواكب والاجتماعات الدينية طبقا للعادات المرعية في البلد" من المفترض أن تكون كافية لقطع الطريق أمام أي انتهاكات تمس الحريات الدينية -جريا على العادة السنوية لوزارة الداخلية في التعدي- إلا أنَّ صور الاضطهاد الطائفي بمختلف أشكالها ظلت خاضعة لمزاج السياسات الرسمية.
وهذا نقاش صريح، بناء على تجربة عقد من الاضطهاد الطائفي المنفلت، الذي سخرت له الدولة الامكانات التنفيذية في وزاراتها لتكريسه، وأنفقت الأموال لتبريره أو إنكاره، وأنشأت المؤتمرات والمنظمات واللجان لإبراز صورتها كحاضنة للتسامح الديني، في حين مازالت تمنع صلاة الجمعة المركزية في الدراز لأنَّها قدمت موقفًا مناهضًا لظلم كيان الاحتلال في لبنان وغزة.
يُشار هنا إلى أنَّ كبار المسؤولين في الدولة يجهدون بشكل مستمر ضمن عنوان "التسامح الديني" للمشاركة في مختلف الفعاليات الخاصة بالمذاهب والأديان الأخرى، وعندما يأتي الموضوع للموسم العاشورائي فإنَّ أبرز مشاركة تتجلَّى في تهديدات وزير الداخلية، في تناقض فاضح! هذا التناقض يكاد يكون ممنهجًا، فالسلطة تشكَّل مركزًا بعنوان التسامح الديني في الخارج، وتكرِّس الاضطهاد الطائفي في الداخل.

وبنحو غير مفاجئ، جاء موسم عاشوراء هذا العام محمَّلًا باستدعاءات لعدد من المواطنين، وإكراه على توقيع أوراق تعهد، وتحقيق في مضامين خطب دينية وقصائد موكبية، وإزالة مظاهر عاشورائية في 15 منطقة على الأقل، وتوقيف تعسفي، أو منع رفع الراية الحسينية في المنامة! والأغرب ملاحقة مواطنين بسبب ملابسهم التي تتضمن صورة أو شعارًا ما.
شملت تلك الاجراءات: منشدين "رواديد"، خطباء وعلماء دين، مسؤولي حسينيات وقيمي مساجد ومواطنين، في سلوك يرمي لتحقيق عدة أهداف، أحدها تجريم الخطاب الديني، سواءًا على المنبر أو عبر القصيدة الموكبية.

ولنا أن نسأل: ما الذي دفع وزير الداخلية إلى استباق موسم عاشوراء بإطلاق تصريحات، أثناء لقائه السنوي برؤساء ومسؤولي المآتم بالمحافظات، حول من أسماهم بـ"أصوات التأزيم في منصات التواصل الاجتماعي" ؟ طبعا هذا لا يشمل التحريض الإعلامي في وسائل الإعلام الحكومية وشبه الرسمية لسنوات خلت، فمن كانوا يحرضون على الاعتقالات واستهداف الحريات ووضع الدوائر الحمراء في شاشة تلفزيون البحرين هم أصوات تهدئة وتعايش مجتمعي!
أعتقد بأنَّ تحليل عينة من الاستدعاءات والملاحقات التي حدثت خلال الموسم تعطي إجابة حول أهداف تلك التصريحات.

في العموم، إدانة جرائم كيان الاحتلال في المنطقة سواء في غزة أو لبنان أو إيران أو اليمن هي مس بالوحدة الوطنية حسب تصنيف وزير الداخلية. وهنا إضافة جديدة للعقيدة الأمنية، ولا يعني ذلك أنَّها لم تكن موجودة، ولكن جرى تكريسها وتوسعة مفهومها العرفي من خلال سلسلة الاستدعاءات والملاحقات للرواديد والخطباء ومسؤولي المآتم والمواطنين؛ فوزارة الداخلية وبالأخص وزيرها لديها خوف شديد على الوحدة الوطنية إن كان هنالك ما يمس كيان الاحتلال بسوء؛ فالخطاب الديني يجب أن يعتبر قتل الأبرياء بالقنابل الأمريكية دفاع مشروع!
ماذا لو قدم رادود ما قصيدة تُشيد بالكيان؟ أو وقف خطيب ما ليقدم سردية الكيان المجرم بوصفه كيانًا مظلوما؟ هل سيعتبر وزير الداخلية ذلك مسا بالوحدة الوطنية؟ من يدري، ربما يفيده ذلك في تدعيم السيرة الذاتية لنجله السفير في واشنطن!

لقد نسيت أمرًا، هل من يدعو للحفاظ على الوحدة الوطنية هو ذاته الوزير الذي تورطت وزارته منذ 2011 بالكثير من ممارسات الاضطهاد الطائفي، حتى باتت بعض ألسنة العناصر الأمنية في السجون تستخدم مفردات التكفيريين الدواعش تجاه سجناء الرأي؟ فضلًا عن الانتهاكات التي كان أحدها حرمان المعتقل من أداء الصلاة أو الازدراء بمعتقداته.

لا أفهم مُراد الدولة من إضفاء الطابع الأمني على موسم ديني، وجعل الجهة الرئيسة المتصدية لذلك الموسم هي وزارة الداخلية بدلًا من أن تكون الرعاية ولو شكلًا لإدارة الأوقاف الجعفرية أو لوزارة العدل والشؤون الإسلامية، مع التحفظ على الشكل والمضمون.
هذا اللقاء، ولكونه يعقد في البحرين، ليس بحاجة لتشكيل لجنة للتسامح الديني في واشنطن باسم البحرين، أو عقد مؤتمر دولي للتسامح الديني تُستضاف فيه شخصيات من مختلف دول العالم تحت رعاية المؤسسة الدينية التابعة للسلطة، فالرسالة الأمنية واضحة في دولة أمنية، لماذا الاستغراب؟!

عموما، هذه النمطية من الانتهاكات الموسمية التي تطال حرية الدين والمعتقد، أصبحت عُرفًا في سلوك الأجهزة الأمنية، بل أصبحت ركنًا من أركان العقيدة الأمنية، وربما سببًا للإشادة وحتى لترقيات وتعيينات، كما هو حال تعيين سفير ما في واشنطن.

بعد كل هذه السنوات من التعديات الممنهجة على الحريات الدينية، على اختلاف أشكالها ومستوياتها، هنالك حاجة لضمانات دستورية واضحة ومحددة للطائفة الشيعية في البحرين؛ لمنع أجهزة وزارة الداخلية من ملاحقة القصائد والخطب المنبرية والملابس واليافطات العاشورائية، وما هو أوسع من ذلك أيضا.

*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان