البحرين بين النيران والتطبيع: طهران تملك معلومات ولم نُخرج كل أوراقنا بعد ..
أفقهي يفكك المشهد الإقليمي في حوار خاص لـ"مرآة البحرين"

محمد ناس - 2025-07-12 - 9:58 ص
حوار: محمد ناس
خاص مرآة البحرين | تتصاعد نيران الحرب بين الكيان الصهيوني وإيران، في مشهد تتداخل فيها الأبعاد الإقليمية والعالمية. وعلى تخوم الخليج، تبدو البحرين حالة استثنائية: دولة صغيرة، لكنها ذات ثقل جيوسياسي ملحوظ، تتحرك بين المحاور، وتدفع ثمن تموضعها الاستراتيجي بدقة بالغة. في هذا المشهد المتفجّر، كيف تنظر طهران إلى هذا السلوك؟ هل نحن أمام تخبط في الموقف السياسي؟ أم أن البحرين، ببساطة، لم تعد تملك زمام القرار؟ فأين سيكون موقع المنامة ضمن معادلة الردع الإيراني، إذا ما انهار وقف إطلاق النار واشتعلت المعارك من جديد؟
في هذا السياق المتشابك، أجرت صحيفة "مرآة البحرين" مقابلة مع الدبلوماسي الإيراني السابق والمحلل السياسي الدكتور هادي أفقهي، تناولت فيها المواقف الإقليمية والدولية المتداخلة على وقع المواجهة العسكرية بين طهران والكيان الصهيوني. وفي هذا الحوار، يقدّم الدكتور أفقهي قراءة مباشرة، مليئة بالرسائل حول مواقف البحرين، وخريطة الخليج الجديدة، والتوازنات الإيرانية في ظل وقف إطلاق نار "هش" لم يُنهِ بعد حالة الاستنفار الكامل.
❝ملك البحرين مجرد ديكور... والقرار في البحرين يُدار من واشنطن وتل أبيب❞
❝طهران تفرّق جيدًا بين الوسيط، والمحايد، والمشارك في العدوان... والبحرين لم تعد في المنطقة الرمادية❞
❝البحرين قاعدة عسكرية لا دولة مستقلة... من يصدّق التطمينات الخليجية لا يفقه شيئًا في السياسة❞
❝الأسطول الخامس الأميركي في البحرين ليس بريئًا... وفي أحد أجنحته جناح للبحرية الإسرائيلية❞
❝الحديث عن حياد البحرين وهم... وهي ضمن الحسابات العسكرية الإيرانية❞
❝الوساطة لا تلغي واقع الاحتلال السياسي... البحرين اختارت الاصطفاف في محور التطبيع والمواجهة❞
❝التوازن الردعي مع الكيان الصهيوني قائم، لكننا لم نُخرج بعد كل أوراقنا❞
❝الموقف الروسي خجول ومريب... إيران خاضت الحرب وحدها و بقدراتها الذاتية فقط❞
❝قول قطر إنها تحتفظ بحق الرد... ترفيه سياسي❞
❝الكيان الصهيوني والقوات الأميركية ستُطرد من المنطقة، بما في ذلك الأسطول الخامس الراسي على الجزر البحرينية❞
القواعد الأميركية وتأثيرها على الأمن الخليجي
في تعليقه على ما أثير بشأن دور استخباراتي وتسهيلات عسكرية قدّمتها المنامة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران، ورغم الحديث عن تطمينات بعدم المشاركة، شدّد الدكتور هادي أفقهي على أن "هذا السؤال بالغ الأهمية، لأنه يمس واحدة من أكثر النقاط حساسية في معادلة الأمن الإقليمي".
وأوضح أن "البحرين تستضيف مقر الأسطول الخامس الأميركي، الأكبر بين الأساطيل البحرية الأميركية المنتشرة خارج الولايات المتحدة، والمتمركز في مياه الخليج الفارسي منذ أزمة الخليج الأولى". وأشار إلى أن المنطقة شهدت طوال هذه الفترة توترات مستمرة، تراوحت بين مواجهات بحرية غير مباشرة، واحتكاكات ميدانية، من بينها اعتقال عناصر من مشاة البحرية الأميركية والبريطانية على يد الحرس الثوري.
ونوّه بأن لدى طهران معلومات موثقة تؤكد وجود جناح إسرائيلي داخل القاعدة الأميركية في البحرين، وهو ما يعزز فرضية التورط، ولو بشكل غير مباشر، في أي عدوان يستهدف إيران. و بشأن صواريخ "توماهوك" التي أُطلقت خلال العمليات الأخيرة، أشار أفقهي إلى وجود روايتين؛ الأولى تقول إنها انطلقت من مياه الخليج، والثانية تشير إلى شمال المحيط الهندي. في كلا الحالتين، كان التنسيق الإقليمي بين واشنطن وحلفائها - ومن ضمنهم البحرين - حاضرًا بقوة.
وأضاف أن إيران رصدت، خلال عمليتي "الوعد الصادق" الأولى والثانية، مشاركة استخباراتية ولوجستية من بعض الدول المطبّعة مع الكيان الصهيوني، شملت نقل إحداثيات منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، ومحاولات اعتراضها.
وفي ما يتعلق بالحديث عن "الحياد الخليجي" ، يرى أفقهي أن تلك التصريحات لا تتعدى كونها مواقف دعائية للاستهلاك الإعلامي، ولا تحمل أي وزن سياسي حقيقي، خصوصًا أن تجارب سابقة أثبتت أن القواعد الأميركية - سواء في البحرين أو في قاعدة العديد بقطر - ليست محايدة، بل تُستخدم فعليًا في عمليات هجومية معقّدة، تتضمن مشاركة طائرات حربية، مسيرات، وأنظمة استخبارات متقدمة، وبالأخص في ما يخص استهداف منشآت نووية مثل فوردو.
ومع تصاعد وتيرة الحرب المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية والكيان الصهيوني، تتعاظم أهمية البحرين في الحسابات العسكرية الإيرانية، لا بسبب وزنها الجيوسياسي الذاتي، بل بفعل تموضعها داخل شبكة القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية في الجزر الخليج، وعلى رأسها مقر الأسطول الخامس الأميركي.
وفي هذا السياق، أوضح السيد أفقهي أن هذا الواقع يسلب البحرين القدرة على اتخاذ موقف مستقل، سواء في أوقات السلم أو أثناء المواجهات الكبرى، ويجعلها - وفق رؤية طهران - أقرب إلى منصة انطلاق عدائية محتملة، لا دولة ذات سيادة كاملة يمكن تحييدها.
وأشار إلى أن تعقيد الوضع ازداد بعد التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني، الذي رافقته خطوات متسارعة لتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، شملت تعيين ملحق عسكري إسرائيلي في المنامة، وتحويل أجزاء من القواعد الأميركية إلى منصات مشتركة مع الموساد وأجهزة الأمن الصهيونية.
وبيّن أن البحرين أُدرجت ضمن التحذيرات العلنية التي وجهها وزير الدفاع الإيراني اللواء نصير زاده، حين أكد أن أي نيران معادية - جوية، بحرية، أو برية - تنطلق من أراضي دول الخليج المستضيفة لـ لقواعد الأجنبية، ستُقابل برد مشروع من إيران، استنادًا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تضمن حق الدفاع عن النفس.
ورغم ذلك، تفرّق طهران - ولو نظريًا - بين النظام السياسي البحريني كجزء من محور المواجهة، وبين الشعب البحريني الذي تدرك إيران رفضه للتطبيع والهيمنة الأجنبية. لكن هذا التمايز لا يعفي المنامة من المسؤولية؛ فصمتها وتواطئها وتحولها إلى قاعدة عسكرية دائمة، يجعلها هدفًا مباشرًا في الحسابات الإيرانية. وفي هذا الإطار، دعا الدكتور السيد هادي أفقهي ملك البحرين إلى إرسال إشارات واضحة على الأقل تفيد بعدم رغبته في الانخراط بهذه الجبهة، حتى لو كان مسلوب الإرادة.
وترى إيران أن أي موقف محايد حقيقي من جانب البحرين لن يكون ذا مصداقية طالما أن الوجود الأميركي - والإسرائيلي - هو الفاعل الحقيقي على الأرض، ولذلك، فإن أي هجوم يُشن من قواعد بحرينية سيُقابل برد مباشر يستهدف البنية العدوانية التي تنشط داخلها.
تناقضات البحرين تجاه إيران
وفي معرض حديثه عن التناقضات في السياسة البحرينية، أشار السيد أفقهي إلى أن البحرين طلبت وساطة روسية وصينية لإعادة العلاقات مع إيران، في الوقت الذي تُعزز فيه تعاونها الأمني مع أميركا وإسرائيل.
وقال "إن الأشهر الماضية شهدت وساطات خليجية لإعادة إطلاق الحوار بين طهران والمنامة، مضيفًا أن هذه المبادرات قد تؤدي إلى استئناف العلاقات، لكنها بحاجة إلى وقت حتى تنضج". وأوضح أن طهران ترى هذه المساعي حتى اللحظة شكلية و بروتوكولية، طالما أن البحرين تواصل انخراطها في تحالف أمني واضح مع "العدو".
واعتبر أن البحرين تُعد من وجهة نظر إيران قاعدة محتلة من قبل القوات الأميركية، وتضم أجنحة تابعة للقوات الإسرائيلية. وذهب إلى أن ملك البحرين مجرد "ديكور" لا يمتلك القرار الفعلي، إذ تقتصر مهامه على قمع الحراك الشعبي، واعتقال المعارضين، وتنفيذ أحكام الإعدام ذات الطابع السياسي.
وأشار إلى أن النظام البحريني غير قادر على لعب دور مستقل، بل ولا حتى أن يكون بيدق صغير في المواجهات الكبرى بين طهران وواشنطن وتل أبيب.
وأضاف أن التطبيع المعلن مع (إسرائيل) لم يتوقف عند الإجراءات الأولية، بل تجاوزها إلى إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، شملت تعيين ملحقين عسكريين وثقافية، إلى جانب وجود ممثلين للموساد وأجهزة استخبارات إسرائيلية أخرى. واعتبرت طهران ذلك مشاركة فعلية - وإن غير معلنة بالكامل - في جبهة معادية للجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة.
موقف إيران من تحركات مجلس التعاون
في سياق حديثه عن سياسة إيران تجاه مجلس التعاون الخليجي، أوضح السيد أفقهي أن طهران كانت تقسم دول المجلس إلى ثلاث فئات رئيسية قبل المصالحة مع السعودية:
الفئة الأولى: الدول التي كانت على عداء كامل أو قطيعة، مثل السعودية والبحرين.
الفئة الثانية: دول ذات علاقات فاترة أو متذبذبة، مثل الإمارات والكويت، خاصة بعد أزمة "خلية حزب الله".
الفئة الثالثة: دول تُعد صديقة أو على الأقل محايدة، مثل سلطنة عُمان وقطر.
وبيّن أنه عندما استهدفت إيران قاعدة العديد في قطر، سارعت طهران لتوضيح أن الضربة جاءت دفاعًا عن النفس ردًا على العدوان الأميركي، مستندة إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وقال إن رد فعل الدوحة اقتصر على التنديد البروتوكولي، مضيفًا أن تصريحها بشأن "الاحتفاظ بحق الرد" كان مجرد ترفيه سياسي.
ومع ذلك، لا تزال البحرين - من وجهة نظر إيران - خارج معادلة السيادة الوطنية، وتُعد امتدادًا للوجود العسكري الأجنبي، خصوصًا الأميركي، وهو ما يجعلها جزءًا من منظومة تهدد أمن المنطقة. وفي ختام هذا المحور، شدد أفقهي على أن الركيزة الأساسية في سياسة طهران تجاه الخليج الفارسي تقوم على الحوار والتفاهم، لا التصعيد أو الاصطفاف.
الحراك البحريني واتهامات التدخل الإيراني
أما عن اتهامات البحرين لإيران بالتدخل، فأوضح أفقهي أن النظام البحريني يستخدم طهران كـ"فزّاعة" لتبرير قمع المطالب الشعبية التي بدأت في 14 فبراير، وهي حراك سلمي يطالب بحقوق سياسية ومدنية مشروعة. وأكد أن النظام سارع منذ اللحظة الأولى إلى اتهام إيران والحرس الثوري بالتدخل، في محاولة لإضفاء طابع خارجي على تحرك داخلي حقيقي. ونفى الادعاءات المتعلقة بإرسال أسلحة أو تدريب جماعات داخل البحرين، مشيرًا إلى أن طهران لم تكن بحاجة لمثل هذه الأساليب، بل دعت دومًا إلى المصالحة والحوار الوطني.
ولفت إلى أن النظام البحريني لا يزال يتهرب من الحلول، ويغلق أبواب التسوية عبر سياسات مثل التجنيس السياسي، وتقييد الحريات الدينية والمدنية، محذرًا من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى انفجار داخلي.
موقف موسكو من العدوان على إيران
وحول الموقف الروسي في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، وصفه أفقهي بـ"المريب"، قائلًا إنه لم يرتقِ إلى مستوى التحالف الاستراتيجي كما يعتقد البعض. ورغم وجود اتفاقيات استراتيجية بين إيران وروسيا (وكذلك الصين)، إلا أن الواقع يخلو من أي معاهدة دفاع مشترك حقيقية.
وأوضح أن إيران دعمت روسيا خلال حرب أوكرانيا بطائرات مسيّرة من طراز "شاهد 136"، لكن موقف موسكو من العدوان الإسرائيلي كان خجولًا، دون دعم عسكري مباشر. وأشار إلى أن الأنباء التي تحدّثت عن رفض إيران للدعم الروسي لا تستند إلى مصادر رسمية، بل هي اجتهادات إعلامية.
وأكد أن إيران واجهت التصعيد الأخير بقدراتها الذاتية العسكرية -الصاروخية- و السيبرانية، مدعومة بتلاحم شعبي واسع، ظهر جليًا في مراسم تشييع الشهداء. أما الدعم الروسي والصيني، فاقتصر على التصريحات والتنديد الرسمي، مع تأكيد حق طهران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. كما علّق على الشائعات بشأن شراء طائرات مقاتلة صينية أو "سوخوي 35" الروسية المزودة بتكنولوجيا متقدمة، قائلاً إنها لم تُثبت بعد، رغم عدم نفيها رسميًا.
إيران تكشف جزءًا من قدراتها العسكرية
وفي ختام المقابلة، تحدث الدكتور أفقهي عن توازن الردع بين إيران وإسرائيل، مؤكدًا أن هذا التوازن قائم منذ سنوات، لكن المواجهة الأخيرة منحت طهران فرصة لإظهار جانب من قدراتها العسكرية والتكنولوجية.
وقال إن الرد الإيراني شمل استخدام صواريخ دقيقة و طائرات مسيّرة انتحارية وتقنيات الحرب السيبرانية المتطورة، بدعم من التفاف شعبي كبير، مما شكل مشهدًا وطنيًا فريدًا في تاريخ الثورة الإسلامية. وأشار إلى أن هذا التفوق في الردع تحقق رغم غياب الدعم الأميركي المباشر لإسرائيل، مؤكدًا أن لدى إيران أوراق قوة إضافية لم تُستخدم بعد، ستلجأ إليها إذا ما وقعت حماقات جديدة.
وختم أن "وضع البحرين لن يبقى طويلا تحت الوصاية الامريكية" مؤكدا على ما أعلنه القائد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، بأن القوات الأميركية والإسرائيلية ستُطرد من المنطقة، بما فيها الأسطول الخامس المتمركز على الجزر البحرينية، مضيفًا هذا التوجه ليس شعارًا بل جزء من استراتيجية الجمهورية الإسلامية في مواجهة قوى الاستكبار العالمي.
- 2025-01-21علي الحاجي محاورًا هشام الصباغ حول برنامج خطوة: وعود الإصلاح والضرر الواقع
- 2018-11-21الفائزة بجائزة منظمة التعليم الدولية جليلة السلمان: سياسات التربية منذ 2011 هي السبب الأكبر وراء تقاعد المعلمين!
- 2018-05-17الموسيقي البحريني محمد جواد يفكّ لغز "القيثارة الدلمونية" وينال براءة اختراعها
- 2017-10-03مترجمات «ما بعد الشيوخ» في حوار مع «مرآة البحرين»: كان الهدف أن نترجم ثقل الكتاب!
- 2017-10-03«مركز أوال للدراسات والتوثيق» في حوار مع «المرآة»: كتاب «ما بعد الشيوخ» طبع 6 مرات رغم تزوير الترجمة من جهات أخرى