البحرين: اليوم التالي للإفراج عن المعتقلين السياسيين؟

باقر درويش - 2025-07-10 - 1:28 ص

مرآة البحرين : هذه المقالة لنقاش عام حول اليوم التالي للإفراج الجزئي أو الكلي أو المحدود عن المعتقلين السياسيين في البحرين، وهو نقاش يتناول حقوق أكثر من 20 ألف حالة تعرضت للاعتقال التعسفي منذ 2011 ولغاية هذا العام، كما أنَّه نقاش لا يغفل القاعدة الأساسية: الإصلاح السياسي الشامل هو الطريق نحو تقييد بيئة الانتهاكات ومعالجة تداعياتها، إلا أنَّنا سنطرح الأسئلة حول ما هو موجود!.

منذ سنوات خلت، وملف معتقلي الرأي يتحرك بين الوعود المتكررة لإنهاء الملف، وأحد مصاديق تلك الوعود هي في الحديث عن "العقوبات البديلة" الذي لم تذهب الحكومة لتطبيقه بشكل سريع، بل وأوجدت المنغصات حتى في صور تطبيقه، وهنا نستذكر قاعدة حقوقية أساسية: الحرية الكاملة وجبر الضرر حق أصيل لكافة سجناء الرأي، تطبيق الإجراءات التي هي من نصيب السجناء الجنائيين ليست الحل الأمثل لإقفال الملف.
على الرغم من الإفراج عن أعدد كبيرة في الفترات الماضية من سجناء الرأي، إلا أنَّ عداد الاعتقالات التعسفية لم يتوقف في العام الماضي ونحن نتحدث عن 39,9% نسبة الاعتقالات قياسّا بأعداد المفرج عنهم خلال 2025 من باب المثال.
ماذا يعني ذلك؟، تبييض السجون من دون "العدالة الانتقالية" لا يكفي لإغلاق أبواب السجون السياسية في البحرين، فضلا عن رحلة المعاناة التي تبدأ للمفرج عنهم من بعد الخروج من السجن، في مواجهة تحديات الحصول على وظيفة أو العودة للعمل السابق، أو رحلة التأهيل النفسي والجسدي، فضلا عن الحصول على الحقوق القانونية والمعيشية والسكنية كبقية المواطنين، أو كيفية مواجهة تبعات الاعتقال السياسي مثل الرغبة في استكمال التعليم وغيرها.
وهنا نحن أمام الكثير من التحديات؛ خصوصّا وأنَّ السلطة نجحت من خلال تعلمها من التجارب السابقة أن تتبنى خطاب "تجزئة الحقوق" نحو الحد الأدنى، وما يؤسف له -وفي ذلك نقد لابد منه- من أنَّ بعض الأصوات في الرأي العام تنساق وراء هذا الخطاب تحت ذرائع مختلفة.
من باب المثال: بدلّا من تحويل بعض معتقلي الرأي للسجون المفتوحة، كان الأولى منحهم الحرية الكاملة وإغلاق سجن جو المركزي بوصفه سجنًا سيء الصيت لحقبة من الانتهاكات يجب أن تطوى وتغلق وتعالج تداعياتها.
التعبير عن الرضا في سلب حقوق المفرج عنهم ليس أمرا صحيا إطلاقا. وهنا فرق بين التعبير عن السرور بمغادرتهم السجن وإنهاء شيء من معاناتهم.

أولًا: هناك حاجة لتصويب الخطاب الحقوقي: هؤلاء ضحايا، وسجناء رأي، ومن حقهم أن ينالوا الحرية الكاملة بما يحفظ كرامتهم. وليس من حق أحد أيًا كان أن يتنازل عن حقوقهم -بما في ذلك ما ينال من كرامتهم- أو يبرر لذلك. كما أنَّ الأصل في تعبيد الطريق نحو إغلاق السجون هو التأكيد على الإصلاح والتغيير الجذري والجاد، فضلا عن أنَّ مبدأ المساءلة وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب هو مبدأ جوهري لقطع الطريق أمام ما تشكل من مجتمع الجُناة من العناصر الأمنية وغيرهم، الذين هم بلا شك بحاجة إلى محاكمات وعقوبات رادعة، وبعضهم ربما ينبغي إدخاله لمصحات نفسية لتفسير هذا المستوى من القسوة في التعذيب والتنكيل. كل ذلك يتطلب خارطة طريق مستقبلية متكاملة لمشروع العدالة الانتقالية، وهو مصطلح لا أدري ما سبب تغييبه في بعض مفردات الخطاب الحقوقي! كما أنَّ تفعيل دور المجتمع المدني -بمختلف فئاته- في أي مسار يكون، يتطلب إيجاد بيئة صحية للنشاط السياسي والحقوقي.

أيضا، هنا نقطة مهمة، فحتى لو وصلنا إلى لحظة شبيهة بتبييض للسجون، فهل أكثر من 20 ألف حالة اعتقال تعسفي هي رقم للرصد الحقوقي؟ هذه الحالات تتطلب مسارًا من العدالة والتعويضات؛ لذلك الحديث أوسع من الكلام عن المعتقلين الحاليين فقط.

ثانيا: هناك حاجة لحراك مجتمعي واسع: عدم التأثر بضغط السلطة في النظر لسجناء الرأي بشيء يختلف عن كونهم ضحايا يستحقون التكريم والاحترام على معاناتهم، هذا يفرض التكافل الاجتماعي، سواءًا من الناحية الوجدانية أو الاجتماعية أو المالية. يجب أن يشعر المفرج عنهم بالاحتضان الكامل وتقديم الرعاية قدر الإمكان في ظل تقاعس الدولة عن تقديم واجبها في إعادة التأهيل والتعويض والرعاية.

*رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان