التعليق السياسي: هذرة وزير الداخلية: مَن يُدخل البحرين كطرف في الحرب؟

2025-06-18 - 11:35 م

"البحرين ليست طرفاً في الحرب الدائرة من حولنا فلا تدخلونا فيها، وعلى أيّ حال فإننا لن نسمح بذلك بل يجب المحافظة على ما حققناه من أمن واستقرار".
بهذه الكلمات، وجّه وزير الداخلية راشد عبد الله آل خليفة في تصريح غريب رسالة إلى لا أحد في البحرين، هل يقصد الأمريكان وأسطولهم الخامس؟ من المؤكد لا، فالوزير لا يتعاطى الشأن الخارجي ولا يجرؤ على التحدث بهذه الطريقة معهم، هل يقصد الإنجليز؟ كذلك لا، إذن من يقصد؟

في سبتمبر العام الماضي، عقب بدء العدوان على لبنان واغتيال سماحة السيد، أدار وزير الداخلية حملة أمنية لإسكات أيّ صوت تضامني بذات المبررات التي يطرحها اليوم في تصريحه، ولا تزال تداعياتها حتى اليوم جارية بمنع أكبر صلاة جمعة للشيعة في البلاد، ويبدو أنّه يُعدّ نفسه لتكرار ذلك، خصوصاً مع تصاعد التضامن الشعبي الذي يتسم بسلمية تامّة وانضباط كبير!

تكمن معضلة الوزير ووزارته في العقلية الأمنية، وتتمّ وفقاً لانحيازات السلطة لما يدور من أمر، فلا ضير عند السلطة مثلاً أن تخرج ألف مظاهرة في اليوم وأن تعطّل شوارع رئيسية أو فرعية في البلاد، لو كانت هذه التظاهرات مؤيدة لقيام الحكومة بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ولكن على العكس تماماً لو كانت هذه التظاهرات تكشف عن توجّه شعبي تضامني مع غزة مثلاً، أو لبنان، أو تريد تأبين شهيد الأمة، فهي ممنوعة ومصادرة الحقّ بشكل قاطع!


في المقابل يواجه الوزير سؤالاً ملحّاً هذه الأيام، ومن ورائه السلطة بأكبر رأسٍ فيها: ماذا لو قرّر الأمريكان الدخول في الحرب؟ هل سيوّجه الوزير ذات الخطاب لهم بعدم استخدام الأراضي البحرينية للقيام بهجمات ضد الجارة المسلمة؟

سؤال صعب طبعاً، ولا شكّ أنّ الوزير لا يمتلك إجابة على مثل هذا النوع من الأسئلة، رغم الخطر الحقيقي الذي يضع البلاد على فوهّة البركان بوجود الأسطول الأمريكي الخامس على أراضيها.
ولكنّ عليه أن يعلم أنّه حين يمتلك الإجابة، ستصبح كل إجراءات وزارته لمواجهة حالات الطوارئ، واستعداداته الجارية هذه الأيام لإجراءات استثنائية واحترازية كما يقول، بلا معنى، لأنّنا يومها سنكون قد عرفنا السبب الموضوعي الذي يُعرّضنا لأن نكون طرفاً في هذه الحرب، وحين تقرّر السلطة معالجة هذا الأمر بنحوٍ جاد، وبمسؤولية وطنية عالية، ومن دون لفّ أو دوران، سنكون في مأمن بشكل فعلي ومضمون.

إذن ماذا يقف وراء منع التضامن الشعبي الذي يرغب الوزير في تفعيله؟
إنّها الانحيازات المضمرة للجانب الرسمي في هذه الحرب، فالوزير كشف لنا دون أن يعلم أنّ هوى السلطة وأمانيها ترفرف وراء انتصار صديقها الجديد، رغم الإدانة الرسمية للعدوان على إيران، فالمصالح الظاهرية تقتضي هذا النوع من الازدواجية بين ما يحتاجه الشخص أحياناً، وبين ما يرغب فيه، وفي النهاية يكون قد حقّق توازناً بطريقة أو بأخرى، والأمر لا يحتاج لمزيد إثبات، فتاريخ العداء وخطاب الكراهية التي تديره السلطة في صحفها اليومية ضد إيران ومحور المقاومة كافٍ لمعرفة ذلك، وكذلك تباهيها في الماضي القريب على لسان نجل الملك ناصر بن حمد (يوليو 2024) بالمشاركة في اعتراض أول عملية إيرانية لإطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني (الوعد الصادق 1)، ولا أدلّ من انتماءها للمحور الصهيوأمريكي بشكل واضح وعلني.

وبين هذا وذاك، سوف يكون الوزير بحاجة لتحرّي الدقّة في الأيام القادمة، وسيكون عليه أن يجيب على سؤال: مَن يُدخل البحرين كطرف في الحرب؟ تظاهرات الشارع السلمية، أم الأسطول الخامس في الجفير؟