السيادة المؤجلة: البحرين بين خطر التحالفات وضرورة الإصلاح الداخلي

أحمد رضي - 2025-06-16 - 3:44 م
في لحظة اشتداد التوتر الإقليمي، ووسط تصاعد المخاطر على الخليج والمنطقة، يبقى السؤال الأهم: إلى أين تتجه البحرين بسياساتها؟ وما مدى انسجامها مع مصلحة شعبها وأمنها الوطني؟
في الوقت الذي أعربت فيه وزارة الخارجية البحرينية عن إدانتها للهجوم الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن هذه الإدانة، على أهميتها الرمزية، تظل قاصرة عن التعبير عن الإرادة الشعبية الحقيقية، ومتناقضة مع جملة من السياسات الرسمية التي أسهمت في تعزيز التوتر الإقليمي بدلًا من احتوائه. إن دعوة البحرين لوقف التصعيد، والحديث عن التهدئة وضبط النفس، لا تكتسب مصداقية حقيقية ما لم تُترجم إلى سياسات عملية تبدأ بوقف أي شكل من أشكال التطبيع أو التعاون مع الكيان الصهيوني، الذي يُعدّ طرفًا مباشرًا في تأجيج النزاعات الإقليمية، ويمارس الإرهاب العسكري ضد شعوب المنطقة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني.
لقد آن الأوان لصُنّاع القرار أن ينصتوا لصوت الشعب البحريني، الذي عبّر مرارًا عن رفضه للارتماء في أحضان المشروع الصهيوني، ورفضه لاستخدام الأراضي أو الأجواء أو المياه البحرينية كمنصة لأي عمل عدائي ضد دول الجوار، خاصة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي ترتبط تاريخيًا وثقافيًا ودينيًا بعلاقات وثيقة مع شعوب الخليج. إن مصلحة البحرين الوطنية تقتضي النأي بالنفس عن سياسة التورط في صراعات كبرى لا تملك البحرين أدواتها ولا تتحمل تبعاتها.
كما أن الاعتماد على الحماية الأمريكية وهمٌ استراتيجي، أثبتت التجارب التاريخية-من سقوط الشاه إلى الانسحاب من أفغانستان، وحتى تقليص الدور الأمريكي في المنطقة-أنه لا يضمن أمنًا مطلقًا، بل يستدرج الأخطار، ويجعل من البحرين ساحة صراع بالوكالة، لا سيما مع تزايد الضربات المتبادلة في المنطقة واتساع دائرة الاستهداف. إن الأمن الحقيقي لا يُبنى على قواعد عسكرية أجنبية، بل على علاقات حسن جوار، واحترام متبادل، وتعاون إقليمي مستقل عن الهيمنة الخارجية.
وعلى الصعيد الداخلي، فإن أي دعوة للمصالحة الإقليمية والتهدئة لن تكتمل ما لم تُرفَق بإصلاح داخلي حقيقي يبدأ بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإنهاء الممارسات الأمنية القمعية، وتحسين الأوضاع الحقوقية والمعيشية للمواطنين، وإرساء قيم المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، بعيدًا عن التمييز أو الإقصاء أو الاستقواء بالخارج. إن الأمن يبدأ من الداخل، والمناعة الوطنية تُبنى على الثقة بين الدولة والشعب، لا على تغليب الخيار الأمني على السياسي.
السيادة الوطنية لا تكتمل إلا عندما تكون الإرادة السياسية منسجمة مع وجدان الشعب، ومتحررة من الارتهان للمشاريع الخارجية.
ولا خلاص للبحرين إلا باعتماد مشروع وطني مستقل، يعيد الكلمة للشعب، ويحرّر قرار السيادة من التبعية، ويؤسس لعلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والتكامل الإقليمي، لا على أوهام الحماية الأجنبية وتحالفات الدم والنار.