وفاة الحاج مهدي الأسود.. نموذجٌ عن معاناة إنسانية قاسية بفعل جور النظام

2025-06-07 - 7:00 م

مرآة البحرين : يحرص الملك حمد بن عيسى على جمْع شمْله وربْعه وكلّ من يمتّ له بصلة عائلية في الحكم، وتمكينهم في السلطة أكثر، ويعمل في المقابل على تفتيت العائلات البحرينية وتشتيتها بين أرض الوطن وبلاد الغربة. طبعًا، لا يكترث الملك وأدواته في الحُكم لما أفرزه افتراؤه على العشرات من الشخصيات الوطنية التي اختارت أن تسلك طريقًا سياسيًا لا يتّفق أو ينبطح أمام خطاب النظام الجائر. شخصيات ظنّت أن معارضة السلطة سلميًا سيبقى ضمن الحريات المكفولة في الدستور، لكن ما حصل هو العكس تمامًا.

بعد أزمة 2011، والتضييق والقمع الذي طال العشرات من البحرينيين عبر إصدار الأحكام القضائية الظالمة بحقّهم، توزّع هؤلاء بين السجون والمنافي القسرية، لكنّ خيار الغربة ربّما كان الأقسى. تفرّقت العائلات، وأُبعد الأحبّاء عن بعضهم، الأمّ عن أولادها، والأبّ عن أبنائه وأحفاده. طالت المعاناة واشتدّت لأكثر من 14 سنة، حتى كرّست واقعًا أفظع: فقدان الأحبّة.

هذا السيناريو بات يتكرّر مع تسجيل حالات وفيات لأقارب شخصيات سياسية معارضة اختاروا الغربة قسرًا، بعدما ضاقت بهم حدود الوطن ومملكة آل خليفة. آخر هذه الحالات كانت مع الحاج مهدي الأسود، والد النائب السابق عن جمعية الوفاق علي الأسود، الذي حُرم من وداع أبيه بعد 14 سنة على غربته عن بلده الأمّ. تجربة مؤلمة عاشها الأسود في مهجره في بريطانيا، حيث وصله خبر الوفاة.

رحيل الحاج مهدي الأسود لم يكن عابرًا في المشهد الداخلي. المئات تفاعلوا مع النبأ وما حمله من أبعاد إنسانية لناحية حرمان الوالد من رؤية ولده طيلة هذه السنوات، بفعل الحكم التعسّفي والملفّق الصادر بحقّه. ليس هذا فحسب، بل إن كلّ التعليقات المتأثّرة بالخبر بيّنت مكانة الحاج مهدي في وُجدان الكثيرين، فهو من الرجال المؤمنين، ومن الرعيل المُخلص للتيار الإسلامي في البحرين، كما أنه مُواكب لنشاط جمعية الوفاق الإسلامية منذ تأسيسها، وممّن رافقوا مسيرة آية الله الشيخ عيسى قاسم واشتُهر بوفائه لخطّه.

ولأنّ الحاج مهدي صاحب حيثية تجتاز حدود بلدته كرانة، كان وقع الخبر مؤلمًا على من عرفه وعرف ابنه النائب السابق. هنا المُصاب يتضاعف بسبب تعذّر وداع نجله له في أيامه الأخيرة جراء الحكم الجائر الصادر بحقّه. وقد تبدّى هذا من مواساة المئات للأسود وعائلته داخل البحرين منذ اللحظة الأولى وصلاة الجنازة وأيام العزاء، وحتى خارج البحرين، لفقدانه والده وهو في الغربة.


نحن أمام نموذج حيّ وفاقع لعدم اكتراث السلطة للمشاعر الإنسانية الحزينة التي لم تكن لولا سياساتها القمعية السافرة. هل هو قدَرُ من آمن وصدّق كذبة الديمقراطية والتعايش في البحرين؟ وكم سياسي آخر في المنفى أيضًا سيعيش التجربة نفسها بعد؟ كم مًعارض سيفقد والديه وهو بعيد وغير قادر على احتضانهما قبل الانتقال الى الباري؟ ومتى ستقف الدولة عن كارثة سياساتها وإهمالها لمعاناة مئات العائلات مع أبنائها المنفيين قسرًا أو هؤلاء الذين يقضون الأحكام المغلّظة والطويلة داخل الزنازين ولا يستطيعون لمس أهاليهم قبل خسارتهم؟