آهٍ.. وقَلَّ على أوال تأوُّهي

محمد منصور - 2025-05-30 - 6:36 م

مرآة البحرين : بعد تراث ضخم وحضور في الذاكرة، بعد تاريخ يزاحم كبرى الحواضر العلمية، بعد أعلام تألّقت في سماء المجد، صنعه رجال غيبهم التاريخ المصطنع، وبعد ثقافة الإقصاء ما الذي سيتبقى لنا من احترام الآخر؟

بعد بيوتات غائرة في التاريخ ونسيج اجتماعي متماسك، قوامه تراحم وإيحاء وتواصل، ولحمة إنسانية تطرد الجريمة، وإذا بنا مجتمع آخر غريب يغترب عن كل ما ذكرت.

لم تبت جذورنا من أصولها؟ ولم يبدد تاريخ البحرين، والذي تمخض عن مدارس علمية عرفت في العالم الإسلامي وانتشرت آثارها في مكتبات العالم، وبعضها نشر والكثير منها مازال قيد هزائم الكتب.

وأين موقع البحرين التي تتوسط حوض الخليج، وتمثل منطقة عبور (ترانزيت) وصلة بين الشرق والغرب، وعرفت سواحلها باعتبارها محطات لتبادل البضائع، ويوم هربت بنوك الـ"اوف شور" من حرب لبنان لجأت إلى البحرين -قبل انتقالها إلى دبي-، وكان مطار البحرين محطة جوية للترانزيت أيضاً، والكثير من أبناء الدول العربية زاروا البحرين ليذهبوا إلى بلدان أخرى.

ولأنّ البحرين كانت تحمل هذا التاريخ وتحتلّ هذا الموقع، وكانت من الممكن أن تظلّ محلّ إشعاع ثقافي، وتجاذب اقتصادي، وكان من الممكن أيضاً أن تحتفظ بريادتها في الملاحة الجوية وتتقدّم على قريناتها كما كانت، وكان يجب أن تمتلك اسطولاً عملاقاً من الطائرات، حتى تظلّ كما كانت.

لكنها تخلّت عن أشياء كثيرة، منها صدارتها القديمة والحديثة في العلم والتعلّم، وقد درس فيها أعلام من أبناء الخليج، وتطبب فيها آخرون، فأين كل هذا اليوم؟

لِمَ فقدنا ريادتنا المعرفية والثقافية؟ ولِمَ فقدنا ريادتنا التربوية؟ ولِمَ فقدنا مكانتنا على مستوى المصارف والملاحة؟ ولِمَ تقدّم الآخرون وتأخرنا نحن؟

لِمَ غَيّبْنا أعلام ثقافتنا الذين كانوا في واجهة الخليج؟ ولِمَ حطّمنا شركة طيران الخليج وجعلناها ناقلاً وطنياً محدود الخطوط؟ ولِمَ قطعنا خطوط الملاحة مع العراق ولبنان وإيران في الوقت الذي ظلّت ناقلات الإمارات غير منقطعة عنها؟

ثم السؤال الآخر، لِمَ دمّرنا مستشفى السلمانية الطبي وأخرجنا الكفاءات منه؟ ولِمَ حاصرنا ترقيات الكثير من الكوادر الطبية؟ ولِمَ حِلْنا بينهم وبين السفر إلى الخارج بغرض إتمام برامج الزمالة؟ ولِمَ دعمنا الغريب وطردنا القريب!

أهذه هي المحافظة على المنجزات الوطنية؟ تركنا كلّ شيء ودمّرنا كلّ شيء على مثل ما يقول المثل (أكسر يدي حتى يخسر صاحبي)!

نتساءل، ما السبيل لإعادة البحرين إلى ريادتها؟ وهل سنمعن في تدمير ما تبقى من مؤسساتنا التعليمية؟ وهل سنترك غيرنا يختطف أبناء وطننا من الكفاءات ونحل مكانهم مغتربين؟
أمَا آن أن نُنشئ مؤسسات بحثية تحتضن الكثير من أبنائنا الباحثين؟ ولِمَ لا نعزّز الجامعة الوطنية؟ ولِمَ لا نجعل البحرين مكاناً للسياحة الطبية؟

أمامنا الكثير مما يجب القيام به حتى تعود البحرين كما كانت رائدة ملهمة.