لماذا ينبغي الاحتفاء بكتاب (القبيلة والدولة في البحرين) ؟

عباس الجمري - 2025-05-07 - 10:51 م

مرآة البحرين : يُعتبر كتاب القبيلة والدولة في البحرين للدكتور فؤاد الخوري الذي كتب في 1975م ونُشر في 1980، معالجة أنثربولوجية مهمة جداً في تشريح المجتمع البحريني وانتقال السلطة من نظام القبيلة إلى النُظم البيروقراطية التي تحاكي الحكومات التابعة للتاج البريطاني وقتها، لتنظيم السياسة والاقتصاد بحسب البرتوكولات التي يمكن أن تبني الدولة.

وعالج الخوري في كتابه مراحل انتقال الاقتصاد الزراعي، الذي كان يعتمد على الزراعة والصيد، إلى ما بعد الطفرة النفطية التي نقلت البلاد إلى موضع جيوسياسي مختلف، وتغير وجه البلاد جراء تلك الطفرة.

في العقد الخامس للكتاب، ينبغي الاحتفاء به بصور مختلفة، منها الجانب المعرفي الذي يمكن أن يثير هذا السؤال: هل انتقلت البحرين من عقلية القبيلة إلى الدولة في المضمون، بعدما نجحت من الانتقال على مستوى الشكل؟

لا بد من الإقرار أن ترسيخ النظم البيروقراطية في البلاد، نظمت الكثير من الإجراءات الاقتصادية والخدمية بشكل يفوق الكثير من البلدان العربية، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في مضمون الانتقال، الذي يصطدم ببعض الحقائق على المستويين السياسي والاقتصادي، فهل محدودية الصلاحية لمجلس النواب إلى الدرجة التي تكاد إلى تحويله مزهرية فخمة على أريكة الوطن نوع من انتقال القبيلة إلى الدولة؟ وهل دفن البحار والاستثمار العائلي للسواحل والمنتجعات والمشاريع الكبرى هو انتقال من القبيلة إلى الدولة؟ وهل سجن رموز وطنيين مدوا يدهم للتعاون لنهضة الوطن هو انتقال من القبيلة إلى الدولة؟
لو أن المضمون في الانتقال من القبيلة إلى الدولة يساوق ويساوي الشكل، لصارت البحرين "دانة" في الحرية والمشاركة السياسية الحقيقية.

ربما التذكير بكتاب القبيلة والدولة في البحرين هو نوع من الدفع إلى الاهتمام بالحراك المطلبي وتحريك المياه الجامدة التي جمدت مفاصل النشاط السياسي الشعبي بحجة الاستعصاء الذي فرضته السلطة.

وكتاب القبيلة والدولة للخوري، ليس تذكيراً سطحياً لأهمية استدعاء الذاكرة السياسية بالصورة النمطية، إنما هو تذكير يستدعي مساوقة العمق الانثربولوجي الذي يعمق المعالجات السياسية، ويثري النقاش في تشريح الحالة الراهنة إلى مستويات عميقة، نحن نحتاج أن نستعيد نشاطنا بهذا النفس العميق، الذي تغذيه الصرامة الأكاديمية وتوثقه الأرقام ويروي نهمه التحليل العميق للحالة البحرينية.

أما آن الأوان أن ننهض بمحطاتنا التاريخية إلى الفعل المعرفي وعدم الاكتفاء بالبهجة الاحتفائية؟

فمن صور الاحتفاء بالكتاب هو تقديم قراءات نقدية ومناقشتها ومطابقتها على الراهن اليوم، مثلا، في الفصل الرابع يقول الخوري: "مما لاشـك فيه، أن الإصلاحات الإدارية والبيروقراطية في العشـرينيات كان من نتيجتها أن انهـارت السـلطة السياسـية والاقتصادية للمجموعـات القبليـة، كما ألغيت امتيـازات طبقة التجـار الرسـمية، وبـدا جليـاً أن الإصلاحات لـن تنجـح في المـدى البعيـد إلا إذا أعيـد تنظيم المـوارد الاقتصادية كإنتـاج اللؤلـؤ، وزراعـة النخيـل، ومصائـد الأسماك، أو تنظيـم الخدمـات العامـة بمـا فيهـا سياسـة الاستيراد والتصديـر، وعمليـات المرفـأ. ومـن خلال إعـادة تنظيـم المـوارد الاقتصاديـة والخدمـات العامـة، أعيـد أيضـاً تنظيـم الخزينـة العامـة والحـق العـام، وهكـذا بـدأ الفصـل بيـن المداخيـل والممتلـكات العامـة والخاصـة". (انتهى الاقتباس). تحقق ذلك شكلياً بلا شك، فهل تحقق فعلياً في ظل ما يتسرب بين فينة وأخرى عن قصص الفساد الهائلة والسرقات التي تعتمد المحسوبية والقفز على القوانين المكتوبة؟
ثمة حاجة للمراجعة، سواء لتاريخنا المكتوب، أو للفعل السياسي وطرائق التفكير إزاءه، وبنفس العمق الذي تميز به الخوري، يمكن للمعنيين والمتخصصين في المعارضة أن يقوموا بالتشريح والتفكير وتقديم الصور العميقة، لتقديم فهم أفضل وتالياً تقديم توصيات لسلوكيات سياسية أرسخ.