إرهاصات التغيرات السياسية في الشرق الأوسط من 1970م حتى العقد الثالث من بعد الألفين (3)

محمد العصفور - 2025-04-20 - 1:02 م

مرآة البحرين: كانت الأحداث التي سبقت نشأة هيئة الاتحاد الوطني محرضة على أن يقوم العقلاء باتخاذ موقف وأد الفتنة التي تصوروا أنها من تدبير الاستعمار، وأعتقد هؤلاء الرجال أن الانتداب يلعب على هذا الوتر من أجل تشتيت الكلمة حتى ينفذ إلى تمرير مشاريعه، أو لا يجد معارضة قوية تجاه ما يمارس أو ينفذ من مشاريع ، وحاولوا القيام باجتماع يضم زعماء الشيعة والسنة ، إلا أن هذا الاجتماع المزمع عقده في جامع المحرق تم إفشاله. 

لقد حاولت السلطة أن تسلب الشرعية السنية الشعبية من هذا الاجتماع ، غير أن زعماء من السنة وزعماء من الشيعة لجأوا إلى مكان آخر لعقد هذا الاجتماع . 

 

وعلى خط آخر كانت السلطة أو من لف لفها  تُسوق سردية أخرى ، وتزعم أن هذا الحراك يحمل فكرا إخوانيا ، وهذا ما واجه الباكر به علي أحمد سعيد قائلا : إنكم إخوان مسلمون.

 

لكن أول استحقاق على نحو إقليمي واجه هيئة الاتحاد الوطني هو إدانة العدوان الثلاثي على مصر 1956م، وكان حراكا شديدا أطاح برجل بريطانيا القوي في البحرين المستشار بلجريف ، والذي كان موظفا كبيرا في الحكومة منذ الأيام الأولى لحاكم البحرين حمد بن عيسى بن علي ، حتى إنه سمى ابنه (حمد).

 

لقد أطاحت هذه العيئة ببلجريف، لكنها تعرضت إلى نكسة، إذ تعرّض زعماؤها للاعتقال  والمحاكمة، والنفي بعد المحاكمة إلى جزيرة سانت هيلانة.

وربما كانت البحرين من أبرز الدول في الخليج اعتراضا على العدوان الثلاثي ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الوعي السياسي، ووعي القيم الذي تحتفظ به الذاكرة البحرينية ، وشدة الانتماء لهذه الأمة المتناهية ، وربما كانت تلك الشرارة سببا لاشتعال بيئات أخرى ، حيث أثر هذا الحراك على ظفار والكويت وغيرهما.

 

ولست هنا أحاول إعطاء هذا الحراك أكثر من حجمه ، لأني أراه حراكا أسهمت فيه أفكار أممية لا محلية وأقليمية ، وهي أشتات مؤتلفة من المهاتما غاندي وحركات المد القومي.

 

وتأتي هذه الإطلالات ليس على سبيل توثيق حراك هيئة الاتحاد الوطني، بقدر ما هو محاولة لرصد التحولات على المستوى السياسي الشعبي والاجتماعي، باعتبارها حلقة من حلقات متصلة، أدت إلى تكوّن نفحات سياسية أثرت على مسار الانتداب البريطاني في المنطقة ، وأدت إلى تقلصه شيئا فشيئا حتى زواله تماما في مطلع السبعينيات من الخليج العربي.

 

وقد كنت كتبت في مقال سابق ، أن الانتداب فسح أمام مشيخات الحكم في الخليج ، العمل على تكوين بنية تحتية للدولة ، وتطوير الإمكانيات الصحية والتعليمية ، وتطوير الأندية، والعمل على إنشاء البنية الإسكانية. وقد نمت هذه البنى نموا ملحوظا ومشهودا ، وليس به مواربة ، لكن عجلة الإنماء السياسي الشعبي لم تلق من الحكم ما يُمكّنها من الاستمرار في دفع عجلة الحياة السياسية ، على المستوى الحزبي ، بل حاولت القضاء على الطيف السياسي بمختلف توجهاته ، وحتى الحياة التشريعية التي بدأت بعيد الاستقلال سرعات ما تعرضت إلى نكسة غيبتها حتى أجل بعيد، مما أدى لجنوح الحراك السياسي من حراك واضح ومتداول إلى حراك ينشط تحت الأرض وبشكل غير ملحوظ.