فورمولا ون: المهم أن يسمع ولي العهد هدير السيارات

2025-04-17 - 10:03 م

مرآة البحرين : في حوار له مع موقع ميدل إيست آي في العام 2021، يبدي بيرني إيكلستون، الرجل التسعيني الذي أدار "الفورمولا ون" على مدى أربعة عقود، بكل صراحة، إعجابه بالطريقة التي نفّذ بها حكام البحرين والإمارات ما قالوا أنّهم سيفعلونه لبناء الحلبات الخاصة بهم، ثم يعترف إيكلستون بسعادة بأنّه يعتقد أنّ إحدى مشكلات أوروبا الكبرى هي "الكثير من الديمقراطية".

إيكلستون، يستذكر الصفقة التي نقلت رياضة سباق السيارات إلى البحرين في 2004 بشيءٍ من الفخر: "لم يعتقد أحد أنه سيكون هناك سباق في هذا الجزء من العالم، كان لدى البحرين الشجاعة للقيام بذلك. قلت لولي العهد، لقد فتح الباب أمام دول الشرق الأوسط، لن نتسابق في أي مكان من دون مباركتك".

انبثقت فكرة تنظيم السباق عندما أصبح سلمان بن حمد آل خليفة، الذي تلقى تعليمه في كامبريدج، وليًا للعهد في البحرين في العام 1999، قبل شهور قليلة من عيد مولده الثلاثين.

تواصل سلمان مع إيكلستون، الذي وجد في سليل العائلة المالكة "شخصًا شديد اللّطف" و"قائدًا جيدًا جدًا"، وفي 2002 بدأ حلم ولي العهد الجديد يصبح حقيقة، عندما أقر مجلس الوزراء بناء حلبة البحرين الدولية في الصخير بكلفة 150 مليون دينار.

ربما لا يعلم إيكلستون أنه ذمّ الدول الخليجية من حيث أراد مدحها، عندما شرح لنا بالتحديد، أن مشكلات أوروبا الكبرى هي "الكثير من الديمقراطية"، والمعنى الحقيقي لمقولته هذه، أن "الكثير من الاستبداد" الموجود في الممالك الخليجية، يمكنه أن يمرّر صفقات جيدة، ويوفر حضناً مفتوحاً للفورملا ون دون أيّ رقابة شعبية، ومهما كانت التكاليف!
يشبه الأمر مديح السفيه الذي لا يفكّر في عواقب تبذيره وإسرافه الطائش، لفائدة تعود على المستفيد من تصرفاته هذه، بينما يهجو من يقف في وجهه لإيقافه، كما يحدث في أوروبا، بينما لا أحد في دولنا يقف أمامه.

هكذا بدأت رياضة سباق السيارات تأخذ طريقها للدول الخليجية في البحرين أولاً، ثم في الإمارات، ثم في السعودية، حيث لا أحد يمكنه في هذه الدول أن يسائل السلطات عن الفلس الواحد، فضلاً عن المليارات المهدورة!

ما حصل بعد ذلك أثبت الأمر، فمشروع الحلبة الأولى في الشرق الأوسط، والمملوكة للحكومة بالكامل، تواجه مشاكل مالية كبيرة باعتراف ديوان الرقابة المالية والإدارية، وتراجعاً في قيمة حقوق الملكية من عام لآخر بسبب الخسائر المتراكمة والتي وصلت إلى 86.8 مليون دينار في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2009، الأمر الذي أدى إلى تآكل رأس مال الشركة البالغ 75 مليون دينار، بحسب تقريرها للعام نفسه، ليشير بذلك أنّ المشروع لم يحقق عوائده الاقتصادية المنتظرة، بل أصبح عبئاً جديداً على الميزانية العامة، دون أن يمتلك أحد الجرأة لإيقاف هذا النزيف!

في مقاله بالأمس (15 أبريل 2025)، بعد يوم من انتهاء النسخة الحادية والعشرين لسباقات الفورمولا ون على حلبة البحرين، يحيلنا رئيس هيئة التحرير في جريدة الأيام، عيسى الشايجي، لتلك الحقيقة المنكورة، مستذكراً حادثة مرافقته لولي العهد في العام 2007 على الطيران الملكي لسنغافورة، واستغلاله الفرصة للحديث معه حول مشاريع تطوير القطاعات الحكومية وبينها الفورملا ون، والتي كانت حينها -بحسب قوله- تواجه لغطاً حول فوائدها وعوائدها من بعض الشخصيات والجهات.
الشايجي سأل ولي العهد يومها عن رأيه في اللغط الحاصل ودعوات بيع مشروع الفورملا ون بينما يحظى المشروع بمديح المسؤولين في دول الخارج، فماذا كانت إجابته؟

حينها، اعترف ولي العهد بوجود ما أسماه "ثغرات إدارية في الحلبة"، لكنه لم يشأ أن يعلن فشل مشروع عمره في تحقيق العوائد المرجوّة، مُرمّماً سمعة المشروع التي أخذت في الانحدار بمزيدٍ من إنكار الواقع، وبكلام يشبه حُلوم الأطفال عندما يغرقون في الحديث عن أحلام اليقظة: "في الوقت الذي يصرف فيه الآخرون في كل بقاع العالم عشرات أو مئات الملايين لترويج دولهم ودعم نمو اقتصادهم، نحن نبني بنية تحتية متينة لمستقبل مزدهر، أين كنا؟ وأين انتهينا؟ ربما لا يعرف البعض أين كنا آنذاك، فلم يكونوا على علم بأبعاد هذا المشروع الضخم، ولكن حتماً نحن نعرف جميعاً أين أصبحنا. أصبحنا محط أنظار العالم، نرسم الفرح وننثر البهجة على الجميع، وأصبح الفوز والتفوق والنجاح عنواناً للبحرين".

المهم إذن أن نصبح محط أنظار العالم ونرسم الفرح والبهجة على الجميع، حتى لو لم نحقق عائداً مالياً، هذا ما أراد ولي العهد قوله يومها، وهذا ما تقوله سياساته الاقتصادية في أكثر من ملف، بما فيها ملف "مكلارين" التي تم شراؤها وضخ المليارات لإنقاذها من الإفلاس، ليغيب هدف الاستثمار إلى مجرد شعارات تدغدغ أحلام عاشق سباق السيارات، في الوقت الذي تغيّب حكومته أي أرقام تتعلق بالحلبة في السنوات الأخيرة، وتعلن عن نجاح باهر لا يسع الجميع إلا التصفيق له.