المنذر.. أولوية البحرين في زمن الديون ورفع الدعم

2025-03-22 - 9:40 م

مرآة البحرين : البحرين تُطلق قمرها الصناعي الأول "المنذر" إلى الفضاء. خبرٌ احتلّ عناوين وسائل الإعلام البحرينية المحلية وأَخَذَ مساحة في الإعلام العربي والغربي. بلا مقدّمات، اخترق الحدث صخب الشارع البحريني المُنهمك بأزماته المعيشية المتنوّعة وخصوصًا رفع الدعم المستجدّ عن الكهرباء والماء والبنزين. 

 

حال المواطنين حين الاستماع أو قراءة الخبر كان الصدمة. هؤلاء تفاجأوا كيف أن الدولة كشفت وأعلنت عن مشروع بهذا الحجم في توقيت معيشي خانق يمرّون به. فبدلًا من التفرّغ لحلّ مُصيبة فرض ضرائب ورسوم ورفع أسعار العديد من الخدمات، والحؤول دون استغلال جيوب المواطنين لتحقيق فوائض في الميزانية العامة، يظهر اهتمام الدولة في مكان آخر، لا بل في الفضاء !

 

عن المنذر.. 

يوم 15 آذار/مارس أطلقت البحرين أول قمر اصطناعي محلي الصنع، سمّته "المنذر"، من قاعدة "فاندنبرغ" غرب ولاية كاليفورنيا الأميركية. الهدف من المشروع بحسب ما هو مُحدّد توطين تقنيات الأقمار الاصطناعية وتعزيز القدرات البحرينية في مجال الفضاء.

 

وفي تفاصيل "المنذر" يتضح أن القمر مطوّر من قبل مهندسي الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء، وأُطلق على متن صاروخ الفضاء "فالكون 9" التابع لشركة "سبيس إكس" الأميركية المتخصّصة بتقنيات استكشاف الفضاء، والتي يملكها الملياردير إيلون ماسك.  

 

بحسب الوكالة الوطنية لعلوم الفضاء البحرينية، القمر أطلق ضمن مهمة "ترانسبورتر-13" التي تهدف إلى إطلاق مجموعة من الأقمار الصناعية الصغيرة التابعة لجهات مختلفة حول العالم.

 

وفق المعنيين بهذا الحدث، الغاية من وراء العملية تعزيز مكانة المملكة بين الدول الرائدة في المجال، إذ تسهم مشاريع الوكالة الوطنية لعلوم الفضاء على ما يقول رئيسها التنفيذي محمد إبراهيم العسيري في تلبية الاحتياجات الوطنية وفقًا للخطة الحكومية ورؤية البحرين الاقتصادية 2030 وأهداف التنمية المستدامة، ما يُفهم وكأنّه ردّ على أسئلة تُطرح حيال حاجة البحرين الفعلية لهذا المشروع في هذا التوقيت بالذات، وفي ظلّ الدين العام المُتراكم عليها. 

 

وعليه، تستعدّ المملكة لبدء مرحلة التشغيل الأولي، والتي ستُتيح للمهندسين البحرينيين اختبار مكونات القمر الصناعي في المدار قبل تفعيل الحمولات التقنية المتطوّرة التي يحملها، مما يرسّخ مكانة البحرين في مجال تطوير الأقمار الصناعية النانوية والاستفادة منها في التطبيقات الفضائية المختلفة.

 

"المنذر" من فئة الأقمار الصناعية النانوية، ويزن حوالي 3.2 كجم ويدور في مدار متزامن مع الشمس على ارتفاع 550 كم عن سطح البحر. صُمّم ليؤدي عدة مهام متكاملة، حيث زُوِّد بقدرات تحليل ومعالجة بيانات متقدّمة تتيح له أداء مهامه بفعالية ضمن بيئة الفضاء القاسية.

 

اختبارات القمر والتكلفة الغائبة

وفق التقارير الرسمية، خضع القمر الصناعي "المنذر" لسلسلة من الاختبارات الصارمة لضمان قدرته على تحمّل البيئة الفضائية القاسية والعمل بكفاءة بعد الإطلاق. 

 

هذه الاختبارات أُجريت في عدة مرافق متخصّصة على المستويين الإقليمي والدولي، وشملت:

 

* اختبارات جاهزية الحمولة في مختبرات المركز الوطني لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة، للتحقق من أداء الكاميرا الفضائية.

 

* الاختبارات البيئية الفضائية في مختبرات وكالة الفضاء المصرية، والتي تضمنت اختبارات التحمل الحراري والاهتزازات لمحاكاة ظروف الإطلاق والعمل في المدار الفضائي.

 

الاختبارات النهائية في مملكة هولندا بالتعاون مع شركة ISISPACE، حيث أجريت اختبارات التكامل النهائي للقمر الصناعي والتأكد من جاهزيته للعمل في الفضاء.

 

وفي كلّ مشهد الإعلان، يتبيّن حجم اهتمام الدولة بالصورة وإخراجها، إذ ظهر ناصر بن حمد مُحاطًا بعددٍ من الشخصيات والمسؤولين في قاعدة أشبه بقاعة السينما. الكلّ يتابع فيلمه بقيادة ناصر بن حمد الذي قد يكون استحضر إحدى مسابقات القدرة التي يُشارك فيها ويعيش أجواءها، لكنّ المختلف هنا أن لا جوائز في الختام. 

 

الملفت في كلّ المعلومات المكثّفة التي نشرتها الدولة عبر وسائل الإعلام البحرينية هو غياب تكلفة المشروع برمّته، من التحضيرات إلى التكلفة التشغيلية، غير أن ما هو معلوم أن تكلفة صاروخ "فالكون 9" المستخدم في نقل القمر الصناعي تبلغ 67 مليون دولار، ما يعادل 25 مليون دينار، فيما تصل قيمة صاروخ "فالكون" الثقيل الى 97 مليون دولار.

 

Copy Paste عن الإمارات..

عملية إطلاق القمر إلى الفضاء لا يمكن فصلها عن مسار النشاط الفضائي الإماراتي البارز بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي عمومًا. قد تبدو الخطوة نسخًا لما أقدمت عليه الجارة الخليجية. قد يكون الدافع الأساسي السباق إلى الفضاء ولو على حساب الأزمات الداخلية، لكنّ ما يميّز النموذج الإماراتي ونشاطه الفضائي هو ضخامة المشاريع والاستراتيجات إذ تملك الإمارات حاليًا أكبر قطاع فضائي فعّال في منطقة الخليج والشرق الأوسط، كما أن أرقام التكاليف والإيرادات محدّدة وواضحة أمام جميع المهتمّين بهذا المجال، خاصة أن الاتفاقيات الموقّعة بين حكومة أبو ظبي و شركة "سبيس إكس" الأميركية منشورة بتفاصيلها. 

 

أجندة الدولة أولوية

بعيدًا عن خطاب التطوّر والطموح والتقدّم والنجوم والتحليق بينها التي غزت التعليقات المُطبّلة بشكل أعمى للدولة عند كلّ مناسبة، تلمّس المواطنون نأْيَ السلطة عن محاكاة هواجسهم الاقتصادية الملحّة والمتفاقمة اليوم. بدا فعلًا أن الدولة تعيش على كوكبها الخاص، وأولوياتها ليست التخفيف عن أعباء الناس، أو ربّما استدراك التردّي المعيشي المتوقع إثر خطط الحكومة الجديدة. 

 

غياب الشفافية في طرح الإعلان عن إطلاق القمر شكّل عامل قلق لدى الناس إذًا. لماذا لم تحدّد الدولة قيمة المشروع وكلفته التشغيلية؟ بالطبع الإجابة لن يحصل عليها أبناء البلد، هذا ما يظهر في سلوك السلطة، فالملك ظهر في وادٍ آخر أو لعلّ الأدقّ أكمل مسلسله الفضائي، وذهب إلى إصدار مرسومٍ بإنشاء وكالة البحرين للفضاء بعد تغيير اسم "الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء" على أن تتبع لمجلس الدفاع الأعلى، الذي سيُشرف عليها ويراقب عملها.